جواد كاظم ملكشاهي
يمثل الكورد احد المكونات الأساسية لشعوب منطقة المشرق ، بما كان لهم من دور في بناء حضارتها وصناعة احداثها، ومع حلول القرن السادس عشر الميلادي، أصبحت كوردستان محط أنظار الإيرانيين والعثمانيين ، لغرض السيطرة عليها واستغلال ثرواتها حتى أصبح مصيرها مرتبطاً بالتطورات الداخلية والخارجية للأمبراطوريتين اللتين كانتا تهيمنان على مصير شعوب المنطقة من خلال الأحتلال العسكري والضغط الإقتصادي و ممارسة الغزو الفكري والثقافي لمسخ هويتها الأصلية، إلا ان الشعب الكوردي بوصفه احد الشعوب العريقة في المنطقة لم يقف مكتوف الأيدي ازاء هذه الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الأنسان بل وقف بوجهها وقدم تضحيات جسام في هذا الجانب.
لقد مثلت معركة جالديران التي نشبت بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية سنة 1514م، فاتحة حقبة تاريخية طويلة من الصراع ، والتي امتدت لأكثر من ثلاثة قرون تخللتها فترات سلام، كانت من خلالها بلاد كوردستان محورا فاعلاً في المنطقة، بوصفها كانت تشكل حاجزا طبيعيا يفصل بين الإمبراطوريتين.
وقادت الشخصيات الإجتماعية والدينية والفكرية الكوردية المؤثرة في المجتمع الكوردستاني حركات جماهيرية وثورات ضد الامبراطوريتين وان كانت متواضعة، وذلك للخلاص من الهيمنة والعبودية، او على الأقل للتعبير عن حالة الرفض المجتمعي من خلال توعية المجتمع الذي كان يعاني من الفقر المدقع والأوضاع الانسانية المزرية والإيحاء للمحتل بان مهما كانت قوته وجبروته وقدرته على ارتكاب الجرائم واراقة الدماء، لايمكن له ان يفرض هيمنته بالقوة.
ومنذ العهد العباسي والى يومنا الحاضر انطلقت من ارض كوردستان اكثر من (30) ثورة شعبية وحركة كفاح مسلح ثورية ضد الحكومات والأنظمة في المنطقة بمختلف توجهاتها القومية والدينية والفكرية اهمها :
ـ انتفاضة الكورد الأيزديين ضد الدولة العباسية ( 838 م – 841 م).
ـ انتفاضة الكورد الإيزديين ضد الصفويين بزعامة شير صارم (1506م -1510م)
ـ انتفاضة البابانيين ضد الدولة العثمانية (1806م – 1808م)
ـ ثورة شيخ عبيدالله النهري ضد الدولة القاجارية الإيرانية (1880م-1881م)
ـ ثورة شيخ محمود البرزنجي ضد النظام الملكي العراقي (1919م-1922)
ـ ثورة شيخ احمد البارزاني ضد النظام الملكي (1931م-1932)
ـ ثورة الكورد الإيزديين ضد الإنتداب البريطاني (1935م-1935)
ـ اعلان جمهورية كوردستان في مهاباد برئاسة الشهيد قاضي محمد 1946
ـ ثورة ايلول العظيمة 1961 بقيادة البارزاني الخالد زعيم الحركة التحررية الكوردستانية
ـ ثورة كولان ايار 1976 بقيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني
كانت للكورد الإيزديين دور محوري حاسم في اغلب تلك الثورات، نظرا لإنتمائهم القومي وجغرافية مناطقهم الصعبة، فضلا على انها منفذ مهم وحيوي لعبور ومرور القوافل العسكرية والتجارية على امتداد الارض الكوردستانية ، لذلك شكل الإيزيديون سداً منيعاً بوجه المحتلين وتحدياً كبيرا لسياساتهم التوسعية ،وكانت حراب الغزاة وماكنتهم العسكرية تتوجه نحو تمزيق الصف الكوردي من خلال تعريب وتتريك وتفريس مناطقهم وخلق الفتنة والتناحر الديني والمناطقي والسياسي بينهم، فضلاً على شراء ذمم بعض النفوس الضعيفة واستغلالهم ضد مصالح شعبهم، الا ان كل تلك السياسات التي امتدت لقرون فشلت فشلاً ذريعاً في مسخ الهوية الكوردية الإيزيدية.
واليوم في خضم التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط واوضاع سوريا والجزء الغربي من كوردستان وفلسطين و نتائجها التي ستظهر في غضون الأشهر المقبلة ونظرا للدور المهم والستراتيجي الذي يلعبه الكورد الايزيديون في التغيرات والتوازنات الجديدة في المنطقة بحكم جغرافيتهم المعقدة و وقوعها ضمن مناطق نفوذ القوى الإقليمية والدولية المتصارعة وبالاخص مدينة سنجار الستراتيجية، هناك محاولة اخرى لتكرار السيناريو الفاشل القديم، وذلك بجمع تواقيع لتشريع قانون القومية الأيزيدية كقومية خاصة في مجلس النواب العراقي وسلخ هذه الشريحة المهمة عن القومية الأم وهو برأيي يمثل اجرائاً وقائياً تقوده القوى الأقليمية للحد من تعزيز موقع الكورد في المنطقة ومكانته الدولية، لكن هذا المقترح قوبل بالرفض القاطع من قبل غالبية المجتمع الإيزيدي ، وعلى رأسهم المجلس الروحاني الذي يعد اعلى مقام ديني لأبناء الديانة الأيزديية الذي اصدر بياناً يوم السبت 8 حزيران 2024 اعلن فيه عن رفضه القاطع لهذا المشروع ، واكد البيان” ان الإيزديين جزء لا يتجزأ من الشعب الكوردي وجذورهم التأريخية والثقافية متأصلة بعمق التأريخ والأرض الكوردية”.
وشدد المجلس في بيانه على ” ضرورة احترام الهوية الإيزدية الكوردية وعدم محاولة تغييرها وتزييفها بوصفها ديانة قديمة تعود لآلاف السنين، وهي جزء من التراث الكوردي العريق، معتبراً أن الحفاظ على هذه الهوية حق طبيعي وواجب مقدس، وهو جزء لا يتجزأ من حماية التراث الثقافي والديني للكورد الإيزيديين والامة الكوردية بشكل عام”.
وفي حديث لشبكة رووداو قال المؤرخ الكوردي الإيزيدي “داوود الختاري” الذي ألف 70 كتاباً يتناول أغلبها تاريخ الكورد الإيزيديين وديانتهم إن “هناك مساعي من قبل بعض الأشخاص لتعريف الإيزيديين كقومية مختلفة عن الكورد”.
“حيدر ششو” قائد قوات حماية ايزيدخان من جانبه قال ” على الإيزديين اتخاذ موقف لأن المشروع لايخدمهم، مضيفاً ” سنقف ضد أي مؤامرة ترمي لعزل الكورد عن كوردستان وتعد هذه المحاولة عملاً عدائياً تقف ورائه أياد خارج القومية الكوردية”.
والناشط الكوردي الإيزيدي “كاروان حاجي” علق على المشروع بقوله : “لا يمكن لأحد أن يغير القومية. الدين يمكن تغييره، لكن الأصل لا. نحن كورد تاريخياً، جغرافياً ولغوياً ومن حيث أزيائنا أيضاً”.
سرحان عيسى المتحدث بأسم مجلس ايزيديي سوريا ايضاً اعلن عن رفض المجلس لقانون القومية الإيزدية مؤكداً ان هذا المقترح لايستهدف الكورد وكوردستان وحدهم فحسب وانما الوجود الأيزيدي بشكل خاص.
هنا لابد من الإشارة الى انه منذ عقود هناك محاولات مماثلة من جهات اقليمية ومحلية عراقية لعزل الكورد الفيليين ايضا عن قوميتهم بذريعة انتمائهم للمذهب الشيعي، في حين الفرس والاتراك والعرب والافغان والباكستانيين وغيرهم من اتباع المذهب الشيعي، ما يزالون متمسكين وبقوة بقوميتهم الى جانب اعتقاداتهم المذهبية، ولكن رغم كل المحاولات وانفاق ملايين الدولارات على جمعيات ومنظمات تحمل عناوين فيلية مزيفة لم يكتب لهذا المشروع النجاح ومايزال غالبية الكورد الفيليين متمسكين بانتمائهم القومي والمذهبي معاً.
بناءاً على المعطيات المذكورة والحقائق التأريخية، سيواجه المشروع الجديد تحدياً كبيرا من ابناء الديانة الإيزيدية وارى من الصعوبة بل استحالة تمريره وان مرر، سوف لايكون له تأثير على واقع المجتمع الأيزيدي.