خلف حجي حمد
في خيمة شبه ممزقة ومهترئة تسرد كل خيط من خيوطها المئات من القصص والحكايات عن الواقع المرير الذي عاشوه اثناء سنوات النزوح القسري والعيش بعيدا عن موطن ابائهم الأزلي ، فقد كان يسكن مع زوجته واطفاله الاربعة في احدى مخيمات النزوح البائسة في اقليم كوردستان العراق مع آلاف العوائل الايزيدية الاخرى بعد ان احتل تنظيم الدولة الإسلامية (د١عش) قراهم في جبل شنكال ،ومع قدوم الشتاء كان يتسرب الى قلبه القلق و الخوف من هطول الأمطار الغزيرة لان خيمتهم التي أحرقها شمس الصيف اللاهبة ومزقها الرياح الشمالية القادمة من (جبل بێخێر ) ،لن تتحمل المطر كما وان المخيم قد شيد في مكان منخفض و كان يخشى أن تجتاحه السيول ،وفي ليالي الشتاء الطويلة الممطرة كان يتكي على مخدة صوفية ويقوم بلف السجائر ويدخنها واحدة تلوة الاخرى حتى يحين الصباح .
وفي احد ليالي الشتاء والتي بدأت هادئة في بدايتها وبعد منتصف الليل استيقظ على لمعان البرق و هزيم الرعد فاستيقظ معه اطفاله وبكى احدهم وقال اخاف من المطر يا أبي.
فقال والده لا تخاف منه يا ولدي فلابد أن تفرح بهطول المطر .
فقال الطفل : كيف نفرح بهطول المطر وهو يدخل خيمتنا ولانجد مكانا نجلس او ننام فيه ؟
يابني ،عندما يهطل المطر ينمو الزرع ويعيش بذلك البشر و الحيوانات وبدون المطر سوف نموت جميعا لأن لا حياة بدون الماء والمطر.
قال ابنه الآخر ،وماذا عن الرياح يا أبي أنه يمزق خيمتنا دائما ؟
يا بني في الماضي عندما كان يأتي موسم حصاد القمح في قرى جبل شنكال كان يساعد القرويين بعضهم البعض في الحصاد فكان هناك من يحصد والآخر يسنّ المناجل و يغني لهم أغاني الحصاد وآخرون يجمعون الحصيد وينقلوه إلى البيادر ويتم درسه بالحمير والبغال بعدها ننتظر بفارغ الصبر هبوب الرياح القوية من اجل تذرية الحبوب وكنا نطحن القمع لنأكله و نعطي القش للحيوانات في الشتاء حيث كانت الرياح تجعلنا نبقى على قيد الحياة .
إذا يبدو أن الرياح مفيدة جدا يا أبي لكن هل كنت تعرف أن تغني أغاني الحصاد ؟
نعم يا بني كنت اعرف ‘
وهل سوف تغني لنا احدى تلك الاغاني ياابي ؟
حسنا يابني سوف اغني لكم إحداها ..
غەزالا من دەلالا من
دێ هێلی کۆزەل هێلی
غەزالا من دەلالا من
روکەتیە عەورێ ژێڕی
غەزالا من دەلالا من
کەهرێت غەزالا سێنە
غەزالا من دەلالا من
خفشێت غەزالا سێ نە
غەزالا من چاڤ ڕەشا من
ل بنیا ماڵا رە تێنە
غەزالا من دەلالا من
کەهرێت غەزالا چارن
غەزالا من چاڤ رەشا من
ل بنیا ماڵا رە دغارن
غەزالا من دەلالا من
کەهرێت غەزالا شەشن
غەزالا من چاڤ رەشا من
ل بنیا ماڵا رە دمەشن.
احسنت يا أبي لقد كانت اغنية جميلة لكن هل كنت تخاف المطر والرياح وانت صغير ؟
لا يا بني :ونحن صغار وفي ليالي شنكال الباردة اثناء سنوات القحط كنا نخرج من بيوتنا الدافئة لنجتمع معاَ نحن الأطفال ونقوم بطقس كان يسمى (قردكێ قردۆش)وكان يقود المجموعة احد الاطفال و هو يرتدي ملابس مقاومة للماء وغريبة أحيانا كملابس المهرجين وكنا نسميه (قردك)و نتجول في الازقة وندق الأبواب ونغني معا اغاني المطر وندعو الخالق
العظيم و اله المطر لدى اسلافنا الايزيديين (مەهما رشان) أن يهطل المطر بسرعة وكنا نغني ونقول :
قردكێ قردۆش
سيتل وبهرۆش
مههما رهشان
ببارينێ
كادينا كيى هلوهشينێ
پايا قردك
فرده بينێ
وكان يخرج شخص من ذاك المنزل الذي كنا ندق بابه يرش علينا الماء ويعطي لنا قليلا من دقيق القمح وكنا نجمعه في كيس وعندما كنا ننتهي من زيارة جميع بيوت القرية نعطي الدقيق لاحدى العوائل الفقيرة في القرية وكنا نقوم بذلك الطقس عسى ولعل ان يهطل المطر ويخضر الزرع ويأتي الربيع ليغطي سهول شنكال وجبلها بثوب اخضر جميل.
فقال ابنه الاصغر يبدو انها كانت لعبة ممتعة انا احببتها كثيرا لماذا لانجربها هنا في المخيم؟
فرد شقيقه الأكبر لانستطيع يا اخي فلا يوجد لخيمنا ابواب كيف سوف نجربها !!!!!
حزن الطفل الصغير كثيرا ورد على شقيقه قائلا :
صدقت يااخي ليس للخيم أبواب ندقها .
حاول والده تخفيف حزنه وقال حسنا يابني لا تحزن فعندما نعود الى قريتنا في شنكال بإمكانكم مشاركة هذا الطقس مع أطفال القرية كما أن بإمكانك أن ترتدي ملابس القردك أيضا.
فرح الطفل كثيرا وقال شكرا يا أبي لكن ماذا كنتم تفعلون عندما كان يهطل المطر ؟
قال والده يابني مع سقوط زخات المطر الاولى كنا نخرج ونرقص ابتهاجاَ بقدومه وبينما كانت قطراته الباردة تلامس أجسادنا الصغيرة كنا نقول ياايها المطر اهطل بغزارة لكي لا تأكل العصافير وطيور القطا ماتبقى من حبات القمع .
ونغني أغنية العصافير والقطا ونقول معا:
بارانێ ببار ببار
جوكا گهنمێ ته خوار
تاليا مايى قتكا خوار
وبينما كان يسرد لاطفاله الاغاني والقصص توقف المطر ونام الأطفال لكنه بقي مستيقظا خوفا من ان يهطل المطر مجددا وعندما اشرق شمس الصباح تمدد على فراشه و استيقظ على صوت أطفاله وهم ينظرون الى السماء ويغنون معا
بارانێ ببار ببار
جوكا گهنمێ ته خوار
تاليا مايى قتكا خوار
و بمزيج بين الحزن والفرح امتلأت عيونه بالدمع وابتسم بمشاهدة أطفاله وهم يغنون أغاني المطر وبذلك كسروا حاجز الخوف من المطر وبدؤوا ينتظرون هطوله بدلا من توقفه لكنه حزين لان الغيوم عندما تتجمع يتمنى أن تتلاشى سريعا وان ترحم من هم في ذاك المخيم البائس .
وعندما نظر احد اطفاله الى باب الخيمة فوجد والده مستيقظا ذهب إليه مسرعا فقال متى سوف نرجع لقريتنا في شنكال يا أبي اود ان العب دور ( قردكێ قردۆش ) ادق ابواب الجيران كما قلت لي ليلة البارحة؟
رد عليه والده قائلا: سوف نرجع في الشتاء القادم يابني ………
وكم من فصول قد مضت ، و شتاء يرحل تلو الآخر وهو ما يزال يسكن في تلك الخيمة البائسة والأطفال قد كبروا وقد ماتت أحلام طفولتهم .