حليمة شنكالي
سما
الساعة تقترب من العاشرة صباحًا في بداية فصل الخريف من عام 2023. عندما كان المهندس المدني المتقاعد “هوشيار” يتأمل من نافذة غرفته شجرة الزيتون التي زرعها قبل أكثر من ثلاثين عامًا في حديقة منزله في بداية حياته الزوجية، وبذل كل جهوده لتكون حياته مستقرة مثل شجرة الزيتون الدائمة الخضرة.
فجأةً يرى زوجته “زوزان” تخرج من البيت تتبعها خادمتها. رغم أنها كبيرة السن ومتقاعدة، إلا أنها ما زالت انيقة وجميلة، ترتدي قميصاً وردي اللون وبنطلوناً أسوداً، شعرها المصبوغ باللون البني يصل إلى كتفيها، تجلس في سيارتها الفخمة السوداء وتقودها بهدوء. يسرع هوشيار بالخروج من غرفته وينزل من السلالم.
فجر هذا اليوم، كان قد كتب لزوزان سطراً واحداً في ورقة بيضاء ووضعها على منضدة الطعام في الصالة. يأخذ هذه الورقة ويقرأ جوابها: “انا موافقة على الطلاق، على شرط تنازلك عن البيت الثاني وكافة أثاث هذا البيت وكل مصوغاتي الذهبية وسيارتي.”
لا تهمه هذه الشروط المادية رغم أنها كانت كلها من ثمرات عمله المتواصل في شركته الهندسية، بالإضافة إلى وظيفته الحكومية. الذي يهمه هو أنه ليس بمقدوره مطلقًا الاستمرار بالحياة مع زوجته زوزان في بيت واحد كأنهما غرباء ولا يوجد بينهما أي نوع من أنواع التواصل، حتى انهما لا يجلسان معًا على مائدة الطعام إلا إذا كان هناك ضيوف.
يتذكر هوشيار ولديه المهاجرين قبل أكثر من عشر سنوات، يتنهد تنهيدة عميقة من أعماق قلبه لم يغرقا ولديه في بحر إيجة، ولكن رحيلهما بعد تخرجهما من الجامعة كان من بين الأشياء التي حدثت والتي كانت كافية لتجعل هوشيار يزداد يقيناً أن زوجته نرجسية أكثر من “نركسوس أو نرجس” في الأسطورة اليونانية، وإذا كان في المكان الذي مات فيه نركسوس ظهرت زهرة النرجس، فعلى قبر زوجته زوزان، ستظهر بالتأكيد الكثير من الأشواك، لأنها فاقدة حتى لأحاسيس الأمومة.
يخرج هوشيار إلى الحديقة، يتأمل أغصان شجرة الزيتون الخالية من الزيتون لأنه قطفه قبل أيام. ولكن زوزان تقززت من الزيتون ورمته في سلة الأوساخ وهي تقول باستهزاء:”مليئة الأسواق بالزيتون الجاهز المستورد.”
يعود إلى الصالة ويأخذ القلم من جيب قميصه ويكتب: “أنا موافق” ویوقع. يصعد السلالم إلى غرفته، يتأمل مكتبته الكبيرة ويشعر بالرغبة في تقبيل كل الكتب والروايات التي کانت صدیقته في وحدته، ينظر إلى نفسه في المرآة التي على باب دولاب الملابس، يبتسم، فما زال في كامل صحته ووسيماً أيضاً. يفتح الدولاب ويفكر في اختيار الملابس التي سيلبسها بمناسبة الانعطافة المهمة في حياته، حيث سيتوجه إلى المحكمة لطلب الطلاق الذي طال تأجيله، ليترك خلفه التظاهر بالعيش، ويبدأ بالتغيير والعيش الحقيقي لتحقيق البهجة في حياته.
ردود فعل الآخرين على طلاقه لزوجته، جعلته يفهم كيف يفكر كل واحد منهم، من بينهم كانت هناك زميلة قديمة له “ميديا”، روحا اقتربت من باب روحه، تصغي إليه وتفهمه. قال لها اليوم :
-سلبت زوزان الأثاث من بيتي، وأصبح البيت فارغاً، لكن الروح عادت إليه، وبدأت أفكر بشريكة حياة جديدة.
– هذه المرة أحسن الاختيار، مثل المواطن الذي يرفض أن يكون غده مثل أمسه فيحسن اختيار ممثليه في الانتخابات.
-ھھهه..عزيزتي ميديا فلنحسن الاختيار معا ونغيّر حياتنا نحو الأفضل معاً. هل تقبلين؟
تصمت ميديا التي لم يحالفها الحظ بالزواج من قبل، بعد لحظات تقول بصوت عذب:
– عزيز انت وكتبك وشجرة الزيتون.