تمر المنطقة، بما في ذلك العراق، بمرحلة حرجة تشهد تحولات سريعة في الجغرافيا السياسية، تُعَدُّ جزءًا من إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط الجديد. وقد انعكست هذه التغيرات على مختلف القضايا الداخلية، وكان لها أثر بالغ في تعقيد المشهد السياسي العراقي، كما فاقمت من معاناة الإيزيديين، الذين وجدوا أنفسهم في دوامة الإهمال والتهميش المتزايد.
لقد عانى الإيزيديون لعقود من اضطهاد مستمر، بدءًا من سياسات النظام السابق، مرورًا بالنزاعات العقيمة المتعلقة بالمادة 140 من الدستور العراقي، وصولًا إلى المأساة الكبرى التي لحقت بهم بعد عام 2014م، عندما تعرضوا لإبادة جماعية في سنجار على يد تنظيم داعش. هذه الكوارث جعلت المجتمع الإيزيدي هشًا، سهل الاستغلال والتلاعب به، خاصة خلال العقد الأخير، حيث تفاقمت حالة الضياع والاضطراب نتيجة لانعدام الاستقرار السياسي.
إن غياب الاستقرار السياسي على المستوى الوطني، إلى جانب التجاذبات الإقليمية، أدى إلى خلق واقع مشوه، حيث برزت ظواهر سياسية ومجتمعية خارجة عن الأطر المؤسساتية والقانونية. بات المشهد السياسي العراقي متأزمًا، وسط صراعات داخلية واستقطابات إقليمية، الأمر الذي انعكس على الإيزيديين، فجعلهم عالقين بين مطرقة النزاعات السياسية وسندان الإهمال الحكومي.
إن هشاشة المؤسسات وضعف البنية القانونية والإدارية أفرزا بيئة يسودها الفوضى، حيث يتم اللجوء إلى حلول آنية غير مستدامة، تُبنى على حساب الكفاءات والخبرات الفعلية. كما ساهمت العقلية العشائرية في فرض منطق القوة كبديل عن المؤسسات الرسمية، ما جعل الحلول المطروحة أقرب إلى المسكنات المؤقتة منها إلى الاستراتيجيات الفعالة طويلة الأمد.
إن الاستمرار في تجاهل هذه الإشكاليات وعدم السعي الجاد لمعالجتها سيؤدي إلى مزيد من التدهور، حيث تتسارع التغيرات السياسية ولا تنتظر أحدًا. في ظل هذا المشهد المتشابك، يبقى الإيزيديون الحلقة الأضعف، يواجهون مصيرًا مجهولًا في غياب سياسات واضحة تعيد لهم حقوقهم، وتحمي وجودهم، وتضمن لهم مستقبلًا أكثر استقرارًا ضمن إطار دولة مؤسساتية عادلة.
الدكتور فارس الياس كتي
الأستاذ المساعد /جامعة دهوك