دلشاد نعمان فرحان
في ظل ما يعصف بالمجتمع الإيزيدي من انقسامات، وتحديات وجودية متفاقمة، تبرز الحاجة الملحّة لتشكيل مبادرة اجتماعية وثقافية جامعة، تُعلي من شأن المشترك الديني والاجتماعي على حساب التباينات السياسية والولاءات الحزبية، ومن هنا، لا يُطرح العمل التنظيمي بوصفه رؤية فكرية فقط، بل كضرورة وجودية لصياغة وعي جمعي يتجاوز الاصطفاف ويتجه نحو التأسيس، ولهذا فإن تأكيد الحياد السياسي ليس موقفاً ظرفياً، بل شرطاً بنيوياً لبناء خطاب جامع ومستقل. وفي هذا السياق، يمكن استلهام نظرية الفعل التواصلي لـ(يورغن هابرماس) التي ترى أن الفعل الاجتماعي لا يكتمل إلا عندما يتم عبر توافق عقلاني غير قسري، يقوم على الاعتراف المتبادل واحترام وجهات النظر المختلفة، فالمبادرة التي تسعى لتوحيد الأيزيديين، لا تنطلق من منطق فرض الرأي أو تأطير الآخر، بل من مبدأ الإنصات للكل، والنظر لكل رأي كعنصر مساهم في بلورة التوافق، لا تهديداً له. إن تحصين المشروع من الاستغلال السياسي أو الشخصي لا يُعد تدبيراً تقنياً فحسب، بل يُشكل بُعداً أخلاقياً يعزز من مصداقية المبادرة ويمنح كل إيزيدي، بغض النظر عن توجهه السياسي، الحق في المساهمة من موقعه دون إقصاء أو خشية من التوظيف، وإن أي محاولة لجرّ مشروع الحوار الإيزيدي إلى صراعات القوى الحزبية، أو احتكاره من قبل نخبة متحيّزة، ستُقوّض بنيته وتعيد إلى الفوضى التي تسعى هذه المبادرة إلى تجاوزها. وعليه، لا تهدف هذهِ المبادرة إلى إنشاء حزب أو تيار سياسي، بل إلى صياغة خطاب مجتمعي عابر للتمايزات السياسية، ويعبّر عن الهوية الإيزيدية بوصفها روحاً جامعة، لا أداة للمزايدة، لأن الهدف الجوهري هو الخروج من شرنقة الانقسام، عبر مأسسة الحوار، وتدشين مؤتمر يُفضي إلى تشكيل مجلس يمثل الأيزيديين في المهجر، انطلاقاً من التوافق لا التنازع. ولعل المقارنة بين الحالة الإيزيدية الراهنة ونظرية (المجال العام) عند هابرماس تؤكد أن التجمعات التي لا تستند إلى الحياد والشفافية تغدو عُرضة للاختطاف الرمزي والسياسي، في حين أن المبادرات القائمة على مبدأ (المشاركة الحرة والمتساوية) تؤسس لشرعية أخلاقية جديدة، تتجاوز السلطة الشكلية إلى سلطة المعنى والتوافق، لذا فإن نجاح المؤتمر مرهون بالقدرة على تحويل الاجتماع الإيزيدي من فضاء للتنازع إلى فضاء تواصلي، يُنتج لغة جامعة تتجاوز الانتماءات الفردية إلى الانتماء الكلي. لذلك، لابد من العمل على ان يكون المؤتمر كمنصة للجدل والنقاش لمحاور مهمة تخص اوضاع الأيزيديين في مختلف مناطق تواجدهم، منصة تكون ابوابها مفتوحة للجميع، ويتخلى فيها عن لغة الاتهام لصالح الإنصات والحوار البناء، وبالتأكيد، الهدف هو ايجاد ادوات ووسائل لاستمرارية هذا الحوار، حتى يتحقق الهدف بثوابت ومشتركات يلتقي عندها الجميع. وفي المحصلة، فإن شرط بقاء هذه المبادرة واستمرارها ليس قوتها التنظيمية فقط، بل حيادها السياسي، ومشروعيتها التوافقية، وارتكازها على وعي جمعي ناضج، يرى أن التعدد لا يُنافي الوحدة، بل يؤسسها.