حليمة شنكالي
لم امت بعد رغم تيبس جلدي على عظمي ورغم تلاشي قدرتي على الحركة والنطق ايضاً،انا ” زوزان خوديدا مراد” الطالبة في الصف الثاني عشر الأعدادي، الطويلة الهيفاء ذات العيون الصفراء والشعرالمرتب دائماً بتسريحة ذيل الحصان،نعم انا “زوزان” لم امت بعد،اسمع خطوات قدوم احدهم واسمع طقطقة ارتطام طيور الحمام بجدران الكابينة المقابلة لكابينتي وهي تحاول النجاة من القبض عليهم وذبحهم، لقد رايت منظر ذبح طيور الحمام منذ اليوم الأول الذي حللت فيه هنا قبل عدة اسابيع،ورايت النساء المنقبات ينتفن ريش الحمام المذبوح وهن يقمن بأعداد الطعام.
اسمع ابتعاد خطوات خاطف الحمام واسمع صوت غلق باب السطح اصغي الى هديل الحمام ينادي أحبابه الذاهبون دون رجعة ،يا لشقاء الحمام ويا لشقائي اشم رائحة جلدي المتيبس، اشم رائحة انفاسي التي فيها رائحة قيح جروح قلبي وفراغ احشائي،اشم الرائحة النتنة المنبعثة من الاقفاص المهجورة المعلقة على الجدران ،نعم لم امت بعد!
فجأةً ولأول مرة منذ ان سجنوني هنا يفتح باب الكابينة تهب نسمات هواء الصباح على وجهي تريدني ان استنشقها وتدخل في جسمي وتذوب في دمي هي حقي وحصتي من الأوكسجين تأتيني لتحييني ولأعيش ولكن لمن ومع من اعيش انا المهجورة مثل هذه الأقفاص بلا اهل وبلا احباب؟!
ركلة قوية تأتيني على رأسي،افتح عيوني وارى اثنين من الداعش يحدقان في عيوني،ودون ان ينبسا ببنت شفة انحنى كل منهما على جانب من البطانية التي كنت استلقي عليها وعقد نهايتيها احدهما من جانب راسي والآخر من جانب قدمي ثم قبض كل منهما على العقدة التي عقدها بقبضة يده اليمنى ورفعاني من على الأرض وسارا بي خارج الكابينة،وللمرة الثانية يقع بصري على بيت جاري في السطوح على كابينة الحمام وكنت قد لمحتها للمرة الأولى عندما اتى بي احدهم يقودني وهو يضربني على ظهري بفوهة بندقيته ويركلني كلما كبوت.
سرب من الحمام يطير ويحلق فوق راسي ويصفق بجناحيه وهذان الداعشيان المتشابهان يحملاني والحقيقة كل الداعشيون يتشابهون ببشرتهم الممسوخة ولحاهم وشواربهم القذرة ودشاديشهم القصيرة وسراويلهم المخزية،يسيران بي هذان الداعشيان الى باب السطح، يغلق الباب بوجه الحمام، وينزلان بي من على الدرج، انكمشت داخل العباءة السوداء التي يلزمونني على ارتدائها منذ اليوم الأول لأختطافي حيث امراحدهم امرأة منقبة بالسواد مكلفة بخدمتي قائلا:
– اهتمي بها،لبسيها عباءة تخفي مفاتنها لا اريد ان يرى مفاتنها غيري ابداً اياً كان ولبسيها دائما الجديد من العباءات اجملها واغلاها عندما اريدها .
-امرك اميري ابو سيف.
ترد العفريتة والتي كانت تقول لي بين اونة واخرى :
– انت غبية انت مجنونة ترفضين معاشرة الأمير ابو سيف الذي تتمناه كل امرأة حتى حوريات الجنة ستتنافس عليه!
– اسكتي اسكتي ايتها ال…………..
وانهال بالشتائم والمسبات عليها بلغتي الكوردية السنجارية وامزق العباءة بيدي واسناني فكانت تردف قائلة:
– اتحملك تنفيذا لاوامر الامير ريثما يهديه الله ويقطع راسك ويعود لي ولي انا وحدي!
يسيران بي هذان الداعشيان خارج المنطقة السكنية التي تتناثر فيها مجموعة من البيوت الصغيرة من الطابوق الاسمنتي المكشوف لا يتجاوز عددها العشرين بيتا وكان الحمام في انتظاري امام الدار ورافقني طوال الطريق وهو يلعب معي لعبة “الغميضة” ومن نوع خاص اذ يؤدي هو دور الأختفاء والظهور يراني ويصفق بجناحيه بأنه الفائز ويعود مختبئا في السماء ،انها العشرة والجيرة حيث كنت جارة لهم فوق السطوح ،فهل يسعى الحمام لأدخال الفرحة الى قلبي ؟!هل هو العطاء والأخذ الكوني اذ كنت اتألم وهم يخطفون ويذبحون ويأكلون اهله واحبابه ؟!هل اصدق حب الحمام لي ام اشك في حبه وبانه بكل الأحوال سيكون مع الداعشيين وليس معي؟!يمر بذاكرتي يوم الهجوم علينا عندما امر الداعشي جارنا المسلم العربي وهو يشير الى امي :
– لقد اخترت هذه لي فخذها الى السيارة فوراً.
يمتثل جارنا ويجر امي من يديها ترمي امي بنفسها على الأرض تتشبث تحاول الألتصاق بارضية بيتنا تبسط راحتي يديها على البلاط وتتشبث به يسحلها جارنا سحلاً فيما كان ابي المكبل اليدين والرجلين وسط مجموعة من المسلحين يصرخ بصوت يشق الأرض والسماء:
– انت انت تأخذ ام نوزاد يا حقير يا خائن؟ا انت كريفي انت جاري؟!!انت تاخذ ام نوزاد؟!
يواصل ابي الصراخ:
– اعتقدت انك اتيت لتنصرنا اعتقدت انك ستمزق رايتهم المكتوب عليها “محمد رسول الله”لنصرة نبيك محمد الم تكن تقول دوما ان نبيك محمد اوصاكم بالجار كثيراً؟!
لا اعلم كم من الزمن مضى على مجيئي لكنني احس ان حرارة فصل الصيف قد انتهت تماماً لا ارى غير ارض جرداء لا ارى اشجارا تساقطت اوراقها لأقول لكم انه فصل الخريف!
يبدواننا وصلنا الى الجهة المقصودة وضعوني على الارض قريباً من عدد من السيارات العسكرية حيث يقف عدد من الداعشيين ،تماديت ببصري فعرفت انني في مقبرة تنتشر فها عشرات القبور منها مسكونة ومنها من تنتظر.
تقدم احدهم وعرفته انه “ابو سيف “وقال آمراً:
– اعطوني السكين
سيذبحني هذا الذي اختارني لنفسه وحاول اغتصابي مرات ومرات وقاومته بضربي وببصقي على وجهه وبمسباتي وشتائمي بلغتي الكردية فكان يتركني وهو يحاول ترتيب هيئته قبل الخروج مذلولاً مكسورا وهو مصاب بالذهول والخرس!
ناوله احدهم سكينة كبيرة اخرجها من حزامه ،حدق ابو سيف بحقد وانتقام في عيوني وهو يلوح بالسكينة امام عيني ثم اردف قائلا شامتا:
– لم يبقى فيك شيئا يستحق جهد ذبحك بالسكين
اشار بيده التي تحمل السكين وهو يقول:
– ارموها في القبر وساطلق عليها سيلا من الرصاص بنفسي ولا تكثروا من تغطيتها بالتراب ليتسنى للكلاب نهش جلدها وعظمها!
حملني احدهم ورماني مع البطانية في الحفرة !
انا “زوزان خوديدا مراد” سيطلق ابو سيف علي كثيراً من الطلقات النارية الى ان يشفي غليله مني،يميتني بابشع صورة لكننى اراه موتاً فيه نصر وشرف وكرامة لكل بنات بلدتي سنجار!
وانهال الرصاص وتمزقت روحي وبصري يتابع الحمام وهو يطير بعيدا بعيدا جدا في اعماق السماء ويغيب وتغيب معه السماء .