بقلم: شفان شيخ علو
حين سقطت ثورة أيلول، لم تسقط الإرادة. والدي، من الذين شاركوا بفخر في ثورة أيلول، فرح لانتصاراتها، وحزن بعمق لانكسارها، لكنه لم ييأس، بل كان من أوائل من نظموا الصفوف مجددًا في ثورة كولان، وساهموا في دعمها حتى لحظة فقدان رفاقه، ما بين شهيد ومعتقل ومغترب. وعندما أعلن الرئيس بارزاني انطلاق ثورة كولان، التحق بها كما يلتحق القلب بنبضه. لم تكن مجرد انتفاضة، بل تجديدًا للعهد، وإحياءً لمعنى الكفاح الكوردي في وجه الإبادة والتهميش. كان ملاحقًا من أجهزة الأمن، اسمه على قوائم الموت، والخيارات محدودة: السجن، أو الإعدام، أو الهروب. فاختار طريق المنفى، حاملاً والدتي، وأنا ابن السنتين، وأخي كوفان، في رحلة محفوفة بالخطر نحو سوريا. وهناك، بدأ فصل جديد من المنفى. أما جدي وجدتي، فقد نُفيا إلى الديوانية مع عوائل مناضلة، من بينها عائلة الشهيد محمود إيزيدي، الذي اغتالته يد الغدر، وبقي اسمه حيًا في ذاكرة الثورة كأحد أنبل تضحياتها. ثورة كولان لم تكن بداية النضال، بل حلقة من سلسلة كفاح كوردي لا يعرف الانكسار. من ثورة أيلول المجيدة، إلى مجزرة حلبجة الكيمياوية عام 1988، حين قُصفت المدينة بأبشع أسلحة الإبادة، مرورًا بجينوسايد الأنفال، الذي اقتلع القرى وسواها بالأرض، فمأساة انتفاضة 1991، والهجرة المليونية التي عرّت وجه العالم البارد، إلى أن جاءت نكبة شنگال عام 2014، حيث تعرض الإيزيديون لجريمة إبادة جماعية على يد داعش، اختُطف فيها الآلاف، وسُبيت النساء، وقُتل الأبرياء بدم بارد، في واحدة من أفظع الجرائم بحق الإنسانية. واليوم، يواصل الرئيس بارزاني وأبناؤه، وعلى رأسهم مسرور بارزاني، حمل الأمانة بروح الدولة، وعقلية الدبلوماسية الهادئة، التي أوصلت الصوت الكوردي إلى محافل القرار العالمي. وكذلك رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، الذي يجسد دور القائد الحكيم، في توازنات إقليمية معقدة، ويعمل على تثبيت مكانة كوردستان إقليميًا ودوليًا. ثورة كولان لم تكن مجرد بندقية تُرفع، بل كانت ذاكرة أمة تُستعاد. نضال نكتبه بالدم حينًا، وبالحكمة حينًا آخر. وبين كل ذلك، نعيش ونناضل، لا لنروي الحكاية فقط، بل لنصنع فصولها القادمة. وما زلنا نكتب…