سیما تیڤی

إصلاح شأننا المجتمعي، والحوار الإيزيدي تدويل القضية، تعزيزُ للهوية

دلشاد نعمان فرحان

 

تُشكّل قضايا المجتمع الإيزيدي اليوم نموذجاً مكثفاً لتقاطع التاريخ مع المأساة، والهوية مع العدالة، في فضاء يزداد فيه الانقسام الجيوسياسي تعقيداً، وتتشابك فيه حقوقهم كمجتمع أصيل في أرضهم مع محددات المصالح الدولية، وفي ظل هذا التداخل المعقد، تبرز ضرورة إعادة صياغة الشأن الإيزيدي ضمن الأطر العالمية لحقوق الإنسان أيضاً، لا بوصفه شأناً محلياً محدوداً، بل كملف إنساني ذي صلة مباشرة بالبنية القيمية للنظام الدولي ذاته، لأن المأساة الإيزيدية، بما تتضمنه من انتهاكات إبادة جماعية وتطهير عرقي وديني، لا تندرج فقط ضمن سرديات الاضطهاد، بل تدخل مباشرة في محور (الحق في الوجود والكرامة غير القابلة للتصرف) بحسب ما تؤكده المواثيق الأممية. ولأجل ذلك، فإن انخراط المجتمع الدولي في دعم المشروع الإيزيدي ومأسسته لم يعد خياراً أخلاقياً فقط، بل ضرورة قانونية، كون إضفاء الصفة الحقوقية العالمية على هذا المشروع يمنحه الشرعية الأخلاقية والسياسية التي يحتاجها لتجاوز منطق التعاطف المؤقت إلى منطق البناء المستدام، حيث الدعم القانوني والسياسي الخارجي، حين يُدار بحنكة مؤسساتية، يتحول إلى رافعة استراتيجية تُؤطر المشروع داخل بنية الشرعية الدولية، وتمنحه أدوات الضغط، الرصد، والمساءلة، بما يضمن دمج قضايا الأيزيديين ضمن الحقول الحقوقية الدائمة، لا المؤقتة. وفي هذا السياق، فإن المقاربة الفلسفية لما يُعرف بـ”العدالة التصحيحية” توفّر بعداً نظرياً مهماً يمكن استثماره، ذلك أن ما يطالب به الأيزيديين اليوم ليس امتيازاً فوق القوانين، بل إنصافاً يعيد لهم ما سُلب من وجود وحق واعتراف، ولذا، فإن تفعيل الأدوات القانونية الدولية، وعلى رأسها آليات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، يشكل شرطاً بنيوياً لأي مشروع نهوض إيزيدي يُراد له الاستمرار ضمن منظومة الاعتراف الكوني، إذ أن القضية الإيزيدية، من هذا المنظور، ليست مجرد نداء للمساعدة، بل تموضع لذاتهم الجمعية في قلب فلسفة الإنصاف والاعتراف، أي الأنصاف باعتراف حصول الجينوسايد عليهم، والاعتراف بأنصافهم في المحاكم والمجتمعات الدولية كشعب تعرض للإبادة. كما يشكل الانخراط النشط في بنية المنظمات الدولية، لا سيما تلك المعنية بالحقوق الثقافية والدينية، خطوة استراتيجية نحو مأسسة العمل الإيزيدي، بما يمنحه بعداً وحدوياً واستمرارية مؤسساتية، ومأسسة المشروع لا تعني فقط التنظيم الإداري، بل تعني خلق فضاء جمعي للفاعلية السياسية والمعرفية، كأن تكون فيه قضايا الأيزيديين مؤطَّرة ضمن سرديات عالمية قابلة للتداول والتعاطف والتحرك المشترك. والحقيقة، فإن المشروع الإيزيدي، في سعيه للتحول من الهامش إلى المركز، لا يمكن أن يحقق قفزته النوعية إلا عبر خطاب عقلاني حقوقي وعن طريق توحيد جهد وإمكانيات المؤسسات الإيزيدية الدولية، بتجاوز اللغة الانفعالية إلى لغة البرهان الشرعي والقانوني، وهنا تحديداً، يتبلور دور المجتمع الدولي، ليس كمنقذ عابر، بل كشريك أخلاقي ومؤسسي في ترسيخ قيم العدالة، والاعتراف، والكرامة الإنسانية لشعبٍ خَبِر الألم، لكنه لم يفقد قدرته على النهوض من رماده.

 

ملاحظة:

يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي Sema Tv  عربية

><