سیما تیڤی

القصة الرابعة: بنات سنجار يحكين

حليمة شنكالي

كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والآوان كان جيش ابن زياد في طريقهم من العراق الى الشام ،نزلوا منزلاً في دير (راهب) فرفعوا راس الأمام الحسين (عليه السلام)،فقال الراهب “تباً لكم والله لو كان لعيسى بن مريم ابناً لحملناه على احداقنا!!”كان ذلك في10 اكتوبر680 ميلادية.
كان يا ما كان وليس في قديم الزمان وسالف العصر والآوان بل في هذا العصر والزمان وفي العراق ايضاً هجوماً من قبل قوات داعش على مدينة سنجار ولم يدافع عن هذه المدينة اي حارس لها بل لاذوا جميعاً بالفرار،فقامت عصابات داعش وقتلت العشرات من الرجال الايزديين بطريقة الذبح وفصل الرؤوس عن الأجساد ورفعت عصابات داعش تلك الرؤوس متباهية بانتصارها والسيطرة التامة على مدينة سنجار وضواحيها ،كان ذلك يوم 3 من شهر اب (اغسطس)عام 2014 ميلادية.
دخلت عصابات داعش وانتشرت وتفرقت في البيوت الآمنة وفي احداها ما ان وقعت عيون كبيرهم “ابو سيف” على”روناهي ” الفاتنة الحسن والجمال ذات الأربعة عشر عاماً حتى امر فوراً بأخذها سبية فقامت افراد العصابة بتنفيذ الأمر،استبسلت عائلتها بأحتضانها لكنهم انتزعوها منهم وكبلوا يديها ورجليها وعصبوا عينيها وفمها وسط صراخها وصراخ عائلتها ووضعوها في سيارة عسكرية وانطلق السائق بسرعة جنونية ،ظلت روناهي تسمع صراخات التمزق وآهات العذاب من بيتها ومن بيوت اخرى وهي لا تقوى لا على الحراك ولا على فتح فمها .
اغمي على روناهي وعندما افاقت وجدت نفسها قد وقعت بأيدي من شر ما خلق الله في مكان غريب لا اهل لها ولا احباب، لقد حلت في بيت عتيق على الحدود العراقية السورية مع ابو سيف الذي امر بأختطافها من بيتها في شنكال،كانت هناك امرأة داعشية منقبة جارية لأبو سيف تسكن البيت أيضاً تشبه في ضخامتها الرجال وكان ابو سيف يناديها ب”رفيقة” وهو الذي امرها بجلد روناهي لتكف عن الصراخ والولولة بلغتها الكوردية الشنكالية والتي تفسد عليه نشوته معها و تثير حنقه ،فكانت رفيقة تجلدها بحقد بقطعة جلد طويلة وسميكة تنتهي بمقبض خشبي وهي تردد ذات الجمل :
– لن أكف عن ضربك الا بعد ان تتركي هذه اللغة الحقيرة.
– سأضربك الى ان تستسلمين وتتكلمين بلغة اهل الجنة !
– انت المفعوصة تفسدين لحظات التنفيس عن المجاهد ابو سيف!!انت!!
استمر الجلد المبرح لروناهي بعد كل مرة تولول بلغتها وتسب وتشتم وتنادي امها ،اباها،اخوانها خالها “سردار”الذى كان يكثر من الأهتمام بها ويدللها ،استمرت طريقة التعذيب هذه لعدة اشهر فاصاب التلعثم لسانها،ثم قدمها ابوسيف هدية لداعشي اخر بعد ان سئم منها.
مر ما يقارب الأربع سنوات على روناهي وهي تتلعثم عندما تتكلم وكانوا ينقلونها من مكان الى اخر، من داعشي الى آخر و من داعشي اشتراها لمدة ما من الزمن ثم باعها بثمن ما لآخر ومن داعشي هديةً منه لآخر…وهلم جرا ،وكانت في احيان كثيرة تعرض للبيع ويتفحصونها السفلة وتباع بمزايدة علنية معروضة شبه عارية في مدينة الموصل وفي اماكن مختلفة من سوريا،وهبط فيما بعد سعر روناهى شيئا فشيئاً من الفي دولار الى خمسين دولار واحيانا كثيرة كانت مجموعة من السرسرية يدفعون مبلغ الخمسين دولار هذه ليتقاسمونها.لقد تغيرت روناهي واصبحت فتاة هزيلة مريضة ولم تعد كما كانت شابة جميلة حسناء عندما قدمت في اب عام 2014.
كان الوقت ليلاً من اواخر شهر ايار من عام 2018 عندما كانت “روناهي” الفتاة الايزيدية الملقاة على السرير متعبة جدا ومريضة حين استقر بها المطاف بغرفة في مستوصف حيث وضعوها على سرير طبي وبدأت العناية المركزة بها وكانت تشرف عليها امرأتين منقبتين بالسواد تماماً،تتابع روناهي كلام المنقبتين فتسمع:-
– عسى ان يعدل الأمير بيننا في المكافئة بعد كل هذا المجهود الذي بذلناه مع هذه الخرساء.
– لقد اشتقت للأمير واريد رضاه و رضاء الله.
– وانا ايضاً
-من ستكون الأولى انا ام انت؟
-لا يهم المهم ان يعدل بيننا.
ضحكت بصوت عالي جدا واهتز نقاب الوجه ألأسود ،صمتتا فجاةً وهما تسمعان وقع اقدام تقترب.
دخل الأمير الداعشي ذو اللحية والشوارب السوداء الكثة وكان يرتدي دشداشة قصيرة بيضاء تبدو جديدة هي والسروال ويرتدي سترة قهوائية تبدو كبيرة عليه واستقبلته المرأتان بحفاوة بالغة فيما اخذ هو يتفحص روناهي بنظراته باسما ثم التفت الى المرأتين وازدادت ابتسامته اتساعاً واردف قائلاً:
– بعد نصف ساعة يجب ان تكون جاهزة حيث سيأخذونها
– امرك سيدي الأمير
قالتها كلتا المراتين معاً
يخرج الداعشي وتبكي روناهي تتمزق روحها عذاباً وهي تتسائل
(لمن سيعطوني هذه المرة؟!لماذا اعطوني اكياسا من المغذي طوال ما يقرب الشهر؟!لماذا يدللوني؟يقتلوني ثم يحيوني ؟!ماما بابا خلصوني!اين انت اخي فرهاد ..اخي كاوه.. اخي نوزاد ..خالو سردار لماذا لا تاتون لنجدتي اين انتم؟!)

تنهمك المرأتان على تبديل ملابس روناهي الخاصة بمرضى المستشفى الى عباءة سوداء جديدة وغطاء راس اسود وتناوبتا على توجيه هذا الحديث الى روناهي :
– لا تقاومي يجب ان نستبدل ملابسك.
– لقد اشتروك اهلك وستعودين الى ديارك.
– صدقي واستسلمي ايتها الخرساء.
– كوني هادئة لا تغضبي المجاهدين ايتها الخرساء هم الذين سيسلمونك الى ذويك هل تفهمين؟!

اصيبت روناهي بالذهول وفجاة دخل شخص ضخم الجسم مخيف المنظر يرتدي بنطلوننا اسود وقميصا اسود ايضاً ويتدلى من حزامه مسدس وتعاون مع المرأتين على تغطية عينيها بقطعة قماش سوداء سميكة وسدوا انفها وهم يشددون قبضتهم عليها وسكبوا كوباً من المنوم في فمها وتجرعته وهي توشك على الاختناق ثم وضعوها في عربة نقل المرضى و اخرجوها من المشفى وحملوها في سيارة وكانت عاجزة عن القيام بأي رد فعل ثم راحت في سبات عميق .
بعد يومين حلت في مبنى محافظة دهوك وهرع اليها خالها سردار وزوجته وهما يبكيان سألت بلسانها الثقيل بلغتها الكردية الأم :
_ خالي اين ماما؟اين بابا ؟اين اخواني ؟!
وعرفت ان السفلة قتلوهم جميعاً اثر الشجار العنيف الذي دار بينهم وبين العصابة بعد اختطافها من بينهم ،كان خالها سردار الذي تشبهه تماماً يعمل موظفاً حكومياً في مدينة دهوك ،خالها بذل جهوده خلال اربعة سنوات يسال عن روناهي الوحيدة التي لم تقتل من بيت اخته وكانت الطريقة الوحيدة لأعادتها هي المساومة على شرائها،فأشتراها.
يعج مبنى محافظة دهوك بالمسؤولين وبقنوات الأعلام والمنظمات الحكومية وغير الحكومية حيث مراسيم استقبال عودة روناهي المخطوفة الايزيدية.تقف روناهي مع خالها الشاب وزوجته التي هي ابنة عمها،يبدو الثلاثة متشابهون جداً ببياض بشرتهم وشفاههم المرسومة وبعيونهم العسلية المحمرة الغارقة بالدموع وكأنها غارقة بالدم من شدة احمرارها .
– تباً تباُ ! لا كانت الأرض ولا كانت السماء ولا كنتم ولا كان الاحتفال!
صرخ خالها بصوت عالي بوجه جميع المتجمهرين.
وخطى بخطواته معهما مرفوع الرأس وهو يتوسط روناهي وزوجته محتضنا لهما بذراعيه وسط ذهول وصمت الجميع!ويتوالى صراخه.. تبا ً…تباً!

><