خلف حجی حمد
رغم قسوة وبرودة ليالي الشتاء في اعالي جبل شنكال لكن خيمتهم الصغيرة كانت دافئة تلك الليلة بفضل والده الذي قام بصناعة مدفئة يدوية الصنع لعائلته والتي كانت عبارة عن برميل صغير كانوا يضعون فيه قطع خشبية من بقايا جذوع شجرة سنديان يابسة كانت تقع على حافة الوادي المجاور لخيمتهم . وبعدما كان يهدأ لهب النار كان يتحول بقايا الحطب إلى جمرات صفراء جميلة اللون و يسمع صوت حسيسها على بعد خطوات و تعطي الدفء للخيمة طوال الليل بينما كان يلتحق الأب مساءا بالمقاتلين الايزيديين الذين كانوا يحرصون الجبل خشية من ان يتسلل د١عش الى قريتهم ليلا بعد أن حاصروا الجبل من الجهات الأربعة .
حاول النوم اسوة ببقية اخوته لكنه لم يتمكن من ذلك فقال لوالدته لااستطيع النوم ياامي .
فردت والدته لماذا يابني ؟
فقال : اذا تركنا د١عش بسلام هل سوف تشترون لي حذاء جديد فإن أحجار الجبل قاسية والشتاء قارص وحذائي قد تمزق فلم أعد قادرا على الخروج من الخيمة أو اللعب مع الأطفال ، كما و اعرف سلفاً بأن العديد من اطفال القرية حفاة القدمين ايضا في هذا البرد لكن اتمنى ان احصل على حذاء جديد .
حيث شعرت الام بحزن شديد لأن الجبل في حصار ولا يصله أي شيء ولا يوجد أي دكاكين في القرية ناهيك عن الفقر المحدق.
فقالت له والدته تحمل يابني سوف نشتري لك زوج من الاحذية الجديدة قريبا .
فرد قائلا : لقد قلت هذا الكلام عدة مرات ياامي لكنك لم تشتري لي شيئا !
لم تجد الأم ماتقوله ثم قالت له لست وحدك لا تمتلك احذية يا بني فحتى الاغنياء والملوك احيانا لا يملكون الاحذية ويمشون حفاة ! .
فقال : كيف ذلك ياامي ! كيف يمكن أن يكون المرء غنيا وغير قادرا على شراء حذاء ؟
فقالت والدته نعم يابني لقد سمعت ذات مرة بانه كان هناك شخص غني جدا و قد اشترى حذاء جديدا لكن لشدة طمعه كان يضع الحذاء في البيت ويخرج الى أزقة القرية حافي القدمين وفي أحد الأيام بينما كان يمشي اصطدم قدمه بعود خشبي حاد و أدى ذلك إلى جرح بليغ في قدمه وبدلا من ان يصرخ من شدة ألم ضحك فرحاً !!
فتعجب الولد وقال كيف ضحك فرحاً يا امي وانتِ تقولين بان العود قد جرح قدمه ؟
قالت الأم نعم يا بني فقد شعر بالسعادة وقال أشكر الخالق لأنني لم اكن البس حذائي لكان قد تمزق وخسرت ثمنه فالجرح سوف يلتئم لكن لو تمزق الحذاء كان يجب ان اشتري غيره وهذا ما لا ارغب به ..
ضحك الولد على ماقاله ذاك الرجل الطماع ثم قال وماذا عن الملوك ياامي ؟
فقالت والدته يقال يابني . بأنه كان في بلاد اسمها الهند حاكم عادل وطيب يحبه شعبه اسمه (غاندي)¹ حيث كان ذاهبا في أحد الأيام لإحدى المدن ووصل إلى المحطة متأخرا وبدأ القطار بالتحرك ومازال الحاكم بالأسفل فأخذ يجري مسرعًا في محاولة منه اللحاق بالقطار ، وبينما كان يحاول الصعود بعد أن أمسك بباب القطار سقطت من قدمه على الارض إحدى فردتي حذائه وهو كان مستعجلا جدا فلم يرغب الحاكم بالنزول لكي يجلب فردة الحذاء لأن القطار كان يتحرك ، فقام على الفور بخلع فردة الحذاء الأخرى وإلقائها بجوار الفردة الأولى التي وقعت بجانب سكة القطار ، فتعجب أصدقاؤه ومن معه في القطار من فعلته تلك ، وسألوه عن السبب فقال الحاكم : لقد رميت فردة حذائي لأني أحببت للفقير الذي يعثر عليها أن يستفاد من الفردتين ، لأن فردة واحدة لم تكن ستفيده بشيء وأيضا تلك الفردة التي كانت معي لم تكن ستنفعني بشيء لهذا رميتها لمن ينتفع بكلا الفردتين .
وقالت هل رأيت يا بني لقد كان حاكما لكنه ركب القطار وذهب الى المدينة حافي القدمين وأراد أن يسعد الشخص الفقير الذي يعثر على أحذيته، كما كان يوجد في بلاده العديد من الأشخاص الذين لم يكونوا يملكون أحذية . لذلك اريد منك ان تصبر قليلا حتى نشتري لك حذاء جديد حالما ينتصر والدك وبقية المقاتلين الايزيديين في هذا الحرب .
فقال حسنا يا امي سادعوا بالنصر لوالدي وزملائه ولكن اتمنى ان تشتروا زوجين من الاحذية ياامي.
و لماذا ترغب بأن نشتري لك زوجين من الاحذية يابني؟.
لانني اود ان افعل كما فعل ذاك الحاكم وان اعطي زوج من الأحذية لصديقي لان حذائه أيضا قد تمزق وقد لعب معي صباح اليوم حافي القدمين وهو فقير ووالده مريض ولا يملكون مالا لشراء احذية جديدة له.
فشعرت والدته بالفخر والسعادة لأن ابنها استطاع أن يختار طريق الخير ويفعل كما فعل الحاكم العادل ويتجاهل الرجل الغني الذي أعماه الطمع كما وصلت الأم الى قناعة تامة بأنه ليس في الوجود قوة مصدرها الشر كما يقول اسلافها الايزيديين بل إن النفس البشرية هي التي بإمكانها أن تسلك طريق الخير أو الشر .وليس لأي قوة في الكون علاقة بما يرغب النفس البشرية بفعله .
فقالت والدته حسنا يابني يمكنك اعطائه زوج من الاحذية.
حيث تمدد الطفل في فراشه و تنهد بعمق واغمض عيناه وبدا يردد امنيته الوحيدة ككل ليلة وهي انتصار والده وبقية الأبطال الايزيديين على د١عش حتى يفتح الطريق من قريته نحو الشمال حيث كوردستان و يحصل على احذية جديدة له ولصديقه.
………………………………………………………………………………………
(1)المهاتما غاندي : (1869-1948) هو الزعيم الروحي للهند، والزعيم الروحي الثورة السلمية التي أدت إلى استقلال الهند عن بريطانيا.
(٢). الصور لمجموعة من الأطفال الايزيديين في شتاء ٢٠١٤ أبان حصار الجبل وهم حفاة القدمين وأحذيتهم ممزقة ومهترة وهي مأخوذة من الانترنت .
(٣). القصة من كتابي ( أوسمة الخلود )