القصة الثانية
حليمة شنكالي
أيقظتني الساعة البيولوجية والتي اعتدت عليها منذ ان أصبحت سجينة في هذه الغرفة المصفرة المغبرة الجدران ،أنها الدقائق الأولى من فجر يوم جديد من شهر آب من عام 2014 ،نهضت متأهبة من الفراش النتن فوق الأرضية الأسمنتية الخشنة للغرفة والفراش هو الشيء الوحيد الذي كان في هذه الغرفة ذات الشباك المستطيل الزجاجى القاتم والمشبك بقضبان الحديد.
ما زلت بذات التيشرت الأسود وبنطلون الكاوبوي الذي كنت ارتديه في ذلك اليوم المشؤوم.سعيت لتعطيل جميع حواسي ومن ثم سلمت روحي لحاسة السمع وأصغيت،سيأتي الداعشي مثل كل مرة ويسعى لغسل دماغي بكلام مشروط وهو ان كنت له جارية على الأرض سأكون فى العالم الآخر حورية من حوريات الجنة والا فأنه سيذهب بي الى الجحيم دنيا وآخرة ،وستبدأ المعركة بينى وبينه وتنتهي بفوزي ويخرج غاضبا حانقا لأنه لم يتمكن مني!.
انصت وبعد لحظات أسمع صوت طرقات حذائه النعلي وهو قادم لكنني اليوم اسمع أصوات أقدام كثيرة قادمة تقترب وتقترب وها هو صوت المفتاح يدار بقفل الباب من الخارج ويفتح الباب ويدخل هو مع أربعة اشخاص فأنقل طاقاتي الكامنة من حاسة السمع الى حاسة البصر،ابصر الان جيدا كل واحد من هؤلاء الأربعة القذرين المتشابهين في سِيمَاهُم وملابسهم ،واغرس نظراتي بنظراتهم النارية واحدا بعد الآخر واعلن فيها ازدرائي من فكرهم الذي يسعون بغرسه في نفسى وتقيؤي من وجوههم البغيضة بشعرهم الأشعث الطويل بلحاهم الكثة ودشاديشهم القصيرة وسرواليهم الكهفية،ومن ثم قمت بتحويل طاقتي الكامنة من بصرية الى حركية فوقفت بصلابة ورفعت يمناي
واذا بالذي كان يهددني كل يوم يأمر بصوت غاضب:
– اضربوها لتتأدب هذه الكافرة وخذوها لكم.
انهالت الضربات علي ولا ادري ما الذي حدث بعدها.
كنت عارية تماما عندما أفقت ملقية على فراش نتن تنتشر عليه دماء متخثرة اردت ان اجد شيئا اتستر به فلم اجد حتى ملابسي،كنت في غرفة اخرى غيرالغرفة السابقة اذ كانت هذه بلا شباك وكانت الجدران تتناثر عليها دماء متيبسة هنا وهناك ،فأخذت المِلَمُّ دمي المتخثر الذي ما زال طريا مرات ومرات بأصابع كفي اليمنى واليسرى ايضا من على الفراش واتجه زاحفة الى الجدران الملطخة اصلا بالدم وامسح دمائي الطرية بالدماء المتيبسة الساكنة على الجدران ،بدماء من كانوا هنا في هذا المكان من قبلي من أهلي واحبابي من بلدتي سنجار، فهل مررت انت ايضا من هنا يا أمي ؟!.
وقعت عيناي على كتلة من دمي المتخثر على الأرض يتزاحم عليها نمل اسود كبير،انه يتزاحم على اكل دمي،سحفت مذعورة مبتعدة واتكأت على الجدار انظر الى النمل واصرخ “ماما النمل الذي كنت تتعاطفين معه وتوصينا ان لا نؤذيه يتنافس على أكل دمي!”
غابت روحي لوهلة ثم عادت لأرى نفسي جالسة في بستاننا في سنجار تحيطنا أشجار التين والزيتون مع امي التي أشبهها او انها تشبهني وأخواني الحلوين بقمصانهم الشبابية الملونة والسرور يشع من وجوههم تنادي امي على ابي الذي كان يقطف التين وهي تصب الشاي الموضوع على منقل الفحم يأتي ابي بقامته الجميلة البهية وبدلته الكحلية ووجهه الضاحك ويضع سلة التين أمامنا ويجلس بجانب امي ،كنا نحس بنداوة الأرض تلامس اجسامنا من الشراشف الخفيفة التى كانت امي تسميها “شراشف السيران” ونبدأ بشرب الشاي وبتناول اللبن مع الخبز الذي كانت تخبزه امي وناكل التين وكانت لقمة التين في فمي اريد مضغها واذا بي اسمع أصوات بكاء وصراخات نساء تئن وتتوجع تملأ المكان وتشق السماء!
كان الباب مقفل ورائحة الدم تملأ المكان طافت في ذاكرتي جريمة ذبح ابي وأخواني أمام عيني وعين امي والتي أخذوها وابعدوها عني فصرخت وصرخت فامتزجت صرخاتي بصرخات النساء واذا بالباب يفتح فجاة وبقوة ويدخل الداعشي الذي كنت من حصته والذي لم يتمكن من اغتصابي من قبل ، وما ان وقعت عيناه علي حتى صرخ قائلا
– اللعنة اللعنة عليك وعليهم لقد تمكنوا منك اذا ولم اتمكن انا؟!لم تكوني في قائمة القتلى اليوم لكنني سأقتلك اذهبي الى جهنم وبئس المصير آيتها الكافرة!
وسحب مسدسه من حزامه وانهالت علي الطلقات النارية!!..