سیما تیڤی

الابستمولوجيا (البدايات و التطوّر)

نبيل سحنون

– إن لفظ “ابستمولوجيا” الذي يعني حرفياً “نظرية العلم” اختراع حديث ، والثابت أنه لايوجد في قاموس “لتريه” ولا في معجم “لاروس” المُنقَّح الجديد.
وإذا كان لفظ “الابستمولوجيا” جديداً ، فمردُّ ذلك إلى أن الموضوع الذي يشير إليه ليس موغِلاً في القدم. حقيقةً إن كل فلسفة تحتوي على مفهوم معيّن للمعرفة ، ويؤكِّد هذا الأمر – على سبيل المثال – أفلاطون في محاورة “ثياتيتوس” التي يعرض فيها نظريته في العلم بالمعنى العام للكلمة. ولكن لفظ العلم قد اكتسب منذ القرن الثامن عشر معنىً أقل اتساعاً وأكثر تحديداً ، وهو المعنى الذي نقصده حينما نتحدث اليوم عن “أكاديمية العلوم” أو “الثقافة العلمية” أو “تطبيقات العلم” ، الخ. ولقد كان من حقّ الفلاسفة القدامى أن يحاولوا تحديد الشروط التي ينبغي لمعرفتنا بالطبيعة أن تحققها حتى تكتسب صفات اليقين الداخلي التي بدونها لاتستحق تلك المعرفة اسم “العلم”. غير أن الطريقة الوحيدة لمعرفة ماذا يمكن أن يكون هذا العلم هي أن نبدأ بممارسته.

– ولكن تشييد العلم بمعناه الضيّق لم يتم إلا مؤخَّراً ، و الدليل على ذلك أنه حتى بعد الدفعة القوية التي أعطاها “غاليليو” في القرن السابع عشر للعلم الحديث ، لم يستقل هذا الأخير عن الفلسفة استقلالاً كافياً. والدليل على ذلك أن “ديكارت” و “نيوتن” ظلّا يكتبان في العلم تحت عنوان “مبادئ الفلسفة”. بل لقد ظلّ الانجليز حتى نهاية القرن التاسع عشر يُطلِقون تعبير “الفلسفة الطبيعية” على علم “الفيزياء”. وعلى العكس من ذلك ؛ فإن اللفظ الألماني الدّال على العلم “Wissenschaft” ظلّ مُحتفِظاً بشيء من ذلك المعنى الأوسع الذي كان فيما مضى يختلط بمعنى الفلسفة.

– ولهذا السبب ؛ فإن مؤلفات بيكون “الأورغانون الجديد” وديكارت “مقال في المنهج” وسبينوزا “إصلاح العقل” و مالبرانش “البحث عن الحقيقة” ؛ بالرغم من احتوائها على عدة إشارات تهمّ الباحث في الابستمولوجيا ، فلا يمكن أن تُعَدّ حتى مجرد محاولات في هذا الميدان. و سنقترب خطوة بسيطة من الابستمولوجيا مع الكتاب الرابع من مؤلَّف جون لوك “دراسة في الذهن الإنساني”. أمّا المؤلَّف الذي ظهرت فيه مُقدَّماً تلك المعالم التي ستتسم بها الابستمولوجيا فيما بعد ، فهو بدون شك “المقال التمهيدي” لدالمبير. ومع مطلع القرن التاسع عشر يُعتبر الجزء الثاني من “فلسفة العقل الإنساني” لديجالد ستيورات ، وكذلك “محاضرات في الفلسفة الوضعية” لأوغست كونت ، و “المقال التمهيدي لدراسة الفلسفة الطبيعية” لجون هرشل ؛ هذه كلها تعتبر مؤلَّفات مُبشِّرة بالابستمولوجيا.

– وبعد فترة ، ظهر كتابان على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للابستمولوجيا ، مؤلِّف الكتاب الأول هو “أوغسطين كورنو” الذي يمكن اعتباره بدون مبالغة ؛ أكبر ابستمولوجي في القرن التاسع عشر. اسم الكتاب “رسالة في تسلسل الأفكار الأساسية في العلوم والتاريخ”. وأمّا مؤلِّف الكتاب الثاني فهو “إرنست ماخ” واسم كتابه “الميكانيكا وتطورها” الذي يستخدم فيه “ماخ” المنهج التاريخي – النقدي ، وفيه ينقد مطلقات “نيوتن” ، و الميكانيكا النسبية لأينشتاين.

– و هكذا ففي الوقت الذي بدأ فيه المفكِّرون يتشككون في بعض المبادئ العلمية لما سيطلق عليه بعد ذلك اسم “العلم الكلاسيكي” ؛ ظهرت وتطورت تلك الحركة العلمية الضخمة التي أخذت اسم “الحركة النقدية في العلوم” . هذا النقد الذي تصدّى للطابع التأكيدي القطعي في العلم والذي قاده مُفكِّرون يتميزون بتكوينهم العلمي الدقيق ، ونكتفي بذكر : “هنري بوانكاريه” “بيير دوهم” “إدوارد لي روا” “اوستفالد” “تشارلز بيرس” “كارل بوبر” “غاستن باشلار” ، الخ.

><