ايوب فرمان
يعتبر كوجك علي من رجال الدين الايزيدية المعروفين في منطقة ولات شيخ الذي كرس حياته من أجل خدمة الايزيديين و الايزدياتي طوال حياته مدة عشرين عام وهو من مواليد 1917م قرية ركافا في شاريا قبل ان يأتي الى قرية باعذرة ويستقر المقام به هناك مع عائلته .
لقد كان كوجك علي متزهدا في حياته بطبعه ومحبا لدينه و خدوما لقومه منذ صغره حتى تركه هذه الدنيا الفانية ولقاء ربه .
حتى كرمه ربه لخدمة الدين من بابه العريض الا وهي رؤية الغيب والتواصل مع العالم الاخر او كما نسميه نحن في الايزدياتي علم الباطن ” كوجك ” وهذه ان جاز لنا التعبير القول بانها ارقى درجة يرتقيها الانسان الايزيدي المؤمن الذي يريد التواصل بين عالمين عبر خوادم الدين او ما نسميه نحن في الايزدياتي “الجن ” .
انا شخصيا زرته مع والدتي في بيته في باعدري وكنت صغيرا ورأيته كيف يقع في التواصل مع الجن (خدم الرب) لتبيان ما أرادت والدتي معرفته عبر الخوادم ” الجن ” ورغم انني خفت قليلا حينها ولكنني ادركت انه ذهب الى الغيب تماما رغم وجود قالبه بيننا على فراشه ، كانت لحظات مميزة فعلا بالنسبة لي حينها .
كانت السماء زرقاء صافية وكان يرعى غنمه في المرعى في قرية ركافا (منطقة شاريا) حيث كان صغيرا فاذا به ياتيه رجلان بلباس الدراويش في شخصي خدر لياس وخدر نبي فيسألانه ماذا تفعل هنا فيقول لهما بانه يتيم يرعى الغنم فيبلغانه ساعطيك سرا (علم الباطن)حينما تكبر ولكننا سنعطيه الان لشيخ مشكو الختاري لفقر حاله ريثما تكبر انت .
تاتي الايام وتمر ويتم منحه سر الباطن ويمسى (كوجك )وطوال عام كامل يقرا الدفتر ويقع على ظهره ويبدء مشواره في خدمة الايزدياتي وبالاضافة الى رتبته الدينية المرموقة (كوجك ) خدم الدين في لالش في جمع الحطب(القول) واحياء مراسيم الصما في المناسبات وكان يصوم اربعينية الصيف والشتاء ايضا (الصوم) اي انه كان احد( الچلكر) روژيين شيخادي وملك شيخ سن كباقي رجال الدين الايزيديين .
لنعود الى السمة الابرز لكوجكنا المرموق والحدث الجلل الذي مر به وتشاء الأقدار ان يتوفاه الله في احد الايام ويمثل بين يدي الرب(الخودان) فينوح اهل بيته وجيرانه ويلتم الناس كعادتهم عندما يتوفى احدهم في القرية ويحضر الشيخ والپير ويتم غلي الماء استعداد لغسله والقاء النظرة الاخيرة عليه قبل دفنه … تبدء احداث المعجزة في العالم الاخر كالتالي … ” ياتيه رجل الى البيت فيقول له انهم يطلبونك في لالش لامر هام فيترك عشاءه ويذهب معه وفي لالش يرى القبر المحفور له والناس متجمعين هناك لدفنه والقاء المراسيم الاخيرة على وداعه (بينما الجميع في بيته يتأففون لوفاته) يذهب كوجك علي الى العالم الاخر ليتم الحساب معه ، فيقول الكوجك وانا في العالم الاخر بالقرب من قبري فقاموا بوضع اعمالي بميزان الحساب بحضور شيخي وپيرى ومربيي و اخ الاخرة فكانت حسناتي مساوية لسيئاتي تماما بشهادتهم وهذه علامة جيدة ، حتى اتئ شخص بلباس بيضاء وبمحيا بهية كبياض نور الشمس وبيده كتاب فقلت لابد ان يكون هذا شيخي (الخودان) ملك شيخ سن صاحب القلم ، ما ان يراه شيخه حتى عرفه فقال لهم لماذا اتيتم به فقد بقي لمريدي من العمر كثيرا أرجعوه فنحن طلبنا شخصا اسمه علي حيدر مراد وانت اسمك علي حيدر عمر ، يقول كوجك علي حينها لشدة اعجابي ب لالش وجمال الطبيعة فيها ارتايت البقاء هناك والمكوث لولا انهم الحوا علي بالعودة الى بيتي قبل ان تظلم الدنيا فرجعت الى البيت من حيث اتيت ” . (انتهت رحلت العالم الاخر هنا )
وما ان افاق كوجك علي من عودته حتى راي الجموع الغفيرة من بيته واهل قريته ركابا وبحضور پير حمو والشيخ والمربي والناس من حوله وقد أعدوا الكفن والماء الحار استعدادا لتوديعه كما هي عادات وتقاليد الايزيدية عندما يتوفى أحدهم ، فقال لهم اذهبوا الى قرية (كريبان)سوف يتوفى علي حيدر مراد بعد فينة اخرى ، وبعد فترة قصيرة اتى شخص من قرية (كريبان) فيبلغهم بوفاة علي حيدر مراد وانه اتى بطلب شيخا او پيرا لغسله و حد وسده فاخذ معه پير حمو حينها .
وهنا نؤكد للعالم عراقة ديانتنا ومدى سلميتها و تواصلها مع العالم الاخر وعبر خاسينا بالذات وان الدنيا ليست سائبة كما يتوهمها البعض فهناك دنيا وهناك اخرة بالتالي وهناك حق وحساب ، وهذه الحادثة والواقعة العظيمة التي حدثت ل كوجك علي ومرت مرور الكرام ماهي الا رسالة من الخودان الى رعيته من القوم لتؤكد وعبر شخصية كوجك علي ذاته ان الاخرة موجودة والانسان سيحاسب في نهاية الامر على افعاله (الخير والشر) بالميزان وهذه ابرز سمات الديانة الايزيدية السمحاء التي تدعو الى الخير والالفة والمحبة دائما .
في الوقت الذي نترحم فيه على كوجك علي الذي توفاه الله العام 1995م في قرية باعذرة وندعوا الله ان يمنه بتلك الجنة التي راها في حياته ، ندعوا الله ونتضرع اليه ان يكون كؤچةك علي وامثاله من الارواح الطيبة وكذلك خاسينا القديسين الاطهار ان يكونوا دوعاچين في الاخرة لملتهم ( ملله تى ئيزى) و جميع الارواح الطيبة من كل الملل .