القصة الأولى
حليمة شنكالي
– واحدة ……واحدة تعالي بسرعة يا واحدة.
صرخ الداعشي ذو الملابس الكهفية والملامح المقيتة بأعلى صوته ،ودخلت واحدة المشرفة على سجني في هذه الغرفة كالعفريت بملابسها السوداء التي تغطي كل جسمها بما فيها كفيها،نظر الداعشي الى واحدة وهو يقبض على شعري وضرب راسي بقوة بالجدار ضربة قصمت قلبي وهو يصرخ:-
– أحلقي شعرهذه المجنونة الشرسة الكافرة تماما واسجنيها الى ان تموت والى جهنم وبئس المصير.
وخرج فورا.
اتجهت واحدة الى الدولاب الحديدي ذو الباب الواحد المقفل واخذت مفتاح من سلسلتها المليئة بالمفاتيح التى ترتديها وفتحت قفله الكبيرالأصفر،اخرجت مقصا كبيرا وجلست قبالتي وتهيأت لتحلق شعري وهي صامتة ،التقت نظراتي بنظراتها من فتحة افقية في نقابها والألم يمزقني والدماء تسيل من انفي وفمي وتنهمر على قميصي المخطط باللونين الأبيض والأسود وبنطلون الكاوبوي وهي الملابس التي كنت ارتديها حينما هاجمتنا عصابات داعش ،ويبدو ان نظراتي قطعت عليها سيل احلامها الجميلة حيث ستعود لتكون لأميرها الجارية الوحيدة دون منافس ولو الى حين عاقبتني بقص شعري مع جلدة راسي واستمرت تؤذيني بحقد وانتقام،وبالرغم من الأذى والوجع الذى كنت اعانيه الأ ان نشوة انتصاري ونجاتي من ان اكون جارية هي التي جعلتني طيعة ومستسلمة ،وكاتمة لآهاتى وصرخاتي في داخل روحي.
تزداد كثرة تدفق الدم من راسي اضافة الى انفي وفمي ،اذوب واتلاشى واذا بأمي تطرق الباب وتدخل وتجلسني بحضنها وتمشط لي شعري الأسود المنسدل الى منتصف ظهري،اخرج من بيتنا في سنجار بقامتي الهيفاء امشي وامشي واردد ابيات الشعر التي احفظها والتي كان حبيبي الغالي يكتبها عني وينشرها في نشرة المدرسة الأعدادية التي كنا ندرس فيها معا، متغنيا بجمالي وجمال شعري الطويل الأسود ،ورغم انه لم يهديها لي ولم يذكر اسمي فيها لكنني كنت احسها تصلني بموجات مرسلة عبر الكون وعبر الفضاء وتعانق روحي،وهذا هو السبب الذي جعلني شغوفة باسرار ومكنونات الفضاء ومتابعتها عبر النت ،ونشرها في نشرة المدرسة الجدارية التي ينشر فيها الغالي قصائد الشعر عني.،لم يكن الحب ممنوعا في بلدتي سنجار لكن الأدب والحياء واحترام الآخركان قد تمكن تماما من جينات كل من تناول التين والزيتون من بساتين بلدتي الجميلة سنجار، كل من شرب من ينابيع سنجار، كل من تنفس نسيم صباحات سنجار، كل من سمع معزوفة قازي شلو في سنجار ،كل من سمع صوت زقزقة عصافير سنجار، وكل من لم يستطع في حياته ان ينادي شخصا اخر من غير دينه الا بلقب “كريف”محبة واحتراما وتقديرا.
صحوت ووجدت نفسي وحدي والتعب قد تملك مني والعطش يقتلني،كنت قد امتنعت عن الطعام منذ ان وصلت الى هنا قبل ايام لا اعرف عددها فقد تلاشى عنصر الزمن عندي، مثلما لا اعرف الان كم يوم مر علي وانا على هذه الحالة،ولكنني كنت من قبل اشرب الماء من القناني التي تخرجها واحدة من هذا الدولاب الذي ينتصب الان امامي ،اما في هذه اللحظة فلا اجد “واحدة “لتفتح الدولاب وتعطيني قنينة ماء،تبقى نظراتي متعلقة بالدولاب اتمنى شربة ماء ،فربما بشربها يطول عمري والتقي بأمي التي انتزعت بالقوة من حضنها وفارقوني عنها وهم يقومون بذبح ابي واخواني الاربعة!
بدأت ادور وادور في دوائر تصغر وتصغر و كأنها الثقب الأسود ،تدور طواحين الثقب الأسود بي واسمع صوت قصف وعصف الريح يأتي بقوة ويدفعني بقوة اكثر واكثر داخل الثقب الأسود، ويصرخ موتي …موتي لقد ماتت امك موتي..موتي ..صرخت امي امي كيف يهون عليك ان تموتي قبلي وتتركيني وحدي !؟ امي امي وادور وادور الى ان تلاشى وسكن كل شيء حولي!