سیما تیڤی

الأيزيدية، ديانة الخير والتسامح والأخلاق الحميدة

 

خيري ابراهيم كورو

لكل دين من الأديان في العالم نصوص مقدسة وأسلوب معين يخاطب به أتباعه لإقناعهم في اختيار منهج محدد مسبقا للوصول إلى هدف محدد مسبقا، والمنهج  والهدف المحددين يخلقان سلوك الفرد وطريقة تصرفه وتعامله مع الآخرين، وهذا السلوك يكون مرآة تعكس مدى أيمانه بذلك المنهج وذلك الهدف.

 

الدين الأيزيدي ككل الأديان الأخرى لديه مجموعة من النصوص المقدسة موجهة للأيزيديين لإقناعهم لأتباع منهج الأيزيدياتي وهو المثابرة على عمل الخير على طول مسيرة رحلة الحياة لتحقيق الهدف المنشود وهو الوصول إلى العالم الآخر بوجه أبيض.

لذلك نرى الإنسان الأيزيدي صادقا وأمينا ومتسامحا وذو أخلاق حميدة حتى مع غير الأيزيديين، وهذا ما جعل الكثير من غير الأيزيديين في حالة صدمة عندما تعرفوا على المجتمع الأيزيدي عن قرب وبشكل جيد، بحيث سمحت لهم هذه المعرفة بخلق انطباع حقيقي عنهم، لأنهم قبل ذلك كانوا قد كون أفكار خاطئة ومشوهة بل ومعكوسة عن ماهية الديانة الأيزيدية وعن سلوك الأيزيديين وتصرفاتهم وطبائعهم وأيمانهم.

أن الأيزيدي ما أن يولد حتى يشرع المجتمع الذي ينتمي إليه بتهيئته وتوجيهيه لسلوك طريق الخير والتسامح، والنصوص المقدسة الأيزيدية هي خير وسيلة لتربيته وتوجيهيه لاختيار النهج القويم وإكسابه الأخلاق الحميدة. وهذه النصوص زاخرة بالتوجيهات والتعليمات لحث الأيزيدي على عمل الخير وبصياغات جميلة في غاية الروعة والإبداع، وننقل لكم هنا سبقتين (مقطعين) من (قەولێ دۆتا قازی) وهو أحد النصوص المقدسة للأيزيديين وهو لا يطلب من الأيزيدي عمل الخير مع أهله ومجتمعه الأيزيدي فقط بل مع أي كان بغض النضر عن دينه أو أية اعتبارات أخرى:

 

هەکە تو ئێکی دبینی

خێرەکێ ڤێرا بگەهینی

نەبێژێ تو ژکی دینی

 

هەکە تە خێرەک د رێیا خودێ دا دابی

تە د ئاڤەکێدا بەردابی

ل با خودێ قەت هندا نابی1

 

اذا لاقيت شخصا ما

وفعلت له خيرا

لا تسأله عن دينه

 

اذا فعلت خيرا في سبيل الله

وان رميته في الماء

لن يضيع أجرك عند الله

 

وهناك نصوص مقدسة أخرى كثيرة تحث الشخص الأيزيدي على أن يكون مؤدبا وذو أخلاق حميدة ويسيطر على تصرفاته، ففي (قەولێ ئاخرەتێ) يوضح لنا إن من يسيطر على لسانه وتصرفاته وكأنه قضى أكثر عمره في الصيام والعبادة، ويوضح لنا أيضا أن النفس أمارة بالسوء ويجب أن لا نخضع لها بل أن نتبع عقلنا، ومن كان ذو تربية وأخلاق فأن روحه ستكون معززة مكرمة عند ربها:

 

هنجیێ حوکم کر ل زمانی

وێ بۆریە ل بەر رەحمانی

وەکی چل چلە ومەجادە هلانی2

 

نەفس مارە وئاقل هیدایەتە

چی مێرێ ب تەربیەتە

روحا وی لبا پەدشایێ خوە ب عزتە3

 

من تحكم بلسانه

سيلقي وجه ربه

كانه تعبد وصام اربعين أربعينية

 

النفس كالأفعى والعقل هداية

وكل شخص ذو تربية

روحه معززة عند ربها

 

ونكتفي بهذا القدر من عرض النصوص المقدسة حول هذا الموضوع لأن هناك الكثير الكثير من النصوص المقدسة الأخرى التي تحث الأيزيدي على فعل الخير والالتزام بالسلوك القويم والأخلاق الفاضلة، ولكن لإغناء الموضوع التي طرحناها في هذا المقال سنعرض هنا شهادات بعض الكتاب والباحثين الذين كتبوا حول سلوك الأيزيديين وطبائعهم  وأخلاقهم.

في الواقع هناك عدد كبير من الكتاب والباحثين الذين كتبوا عن الأيزيدية ولا يسعنا هنا ذكر الجميع في هذا المقال، لذلك سننقل لكم أراء ثلاثة فقط من الكتاب الذين كتبوا عن الأيزيدية في العقود الأخيرة، وهم كل من الدكتور أزاد سعيد سمو والقاضي زهير كاظم عبود والمرحوم السيد أحمد ملا خليل. واخترت أراء هؤلاء الثلاثة، أولا لأنهم اختلطوا بالأيزيديين بشكل يسمح لهم بخلق انطباع حقيقي حول سلوك الأيزيديين وطبائعهم وأخلاقهم والسبب الثاني في اختياري لآرائهم هو أنهم ليسوا أيزيديين بل مسلمين حتى لا يقول قائل بأنهم يمتدحون بني جلدتهم.

يقول الدكتور أزاد سعيد سمو في كتابه اليزيدية من خلال نصوصها المقدسة: (المجتمع اليزيدي يمتاز بجملة من الصفات الحميدة التي يجب على الباحث المنصف أن يذكرها ويشيد بها… فاليزيديون يتصفون بالكرم وهي صفة بارزة عندهم وهم معروفون بذلك، فاليزيدي عندما يحل عليه ضيف يحاول أن يقوم بواجبه تجاه ضيفه مهما كلفه الأمر، فيكرمه ويقدم له ما يتوفر لديه من مأكل ومشرب.. وهم يعتقدون إن الرزق يأتيهم من خزائن الرحمن(الله)،… وينفر اليزيديون من السب والشتم وهي من الأمور المحرمة عندهم فهم يقولون: إن اليزيدي كما عليه أن يكون نظيف القلب، يجب عليه أن يكون نظيف اللسان أيضا… واليزيديون يحترمون العبادة أية عبادة كانت ومن أي شخص صدر وهم يعتقدون أن جميع العبادات التي تؤدي إلى الله تكون مقبولة)4.

أما القاضي زهير كاظم عبود فيذكر في كتابيه، طاؤوس ملك رئيس الملائكة عند الأيزيدية ولمحات عن اليزيدية: ( من المعروف أن الدين هو الذي يحدد الأخلاق ويرسم المحرمات والخطايا ويأمر بالابتعاد عن فعل الشر وبالتالي فان الشعور الديني هو المعبر الحقيقي عن تلك الالتزامات التي  تعكس تصرف الإنسان ولهذا تجد جميع النصوص الدينية والوصايا في الديانة الأيزيدية تحث على عمل الخير5. إن الأيزيدي كريم ومضياف ويتمتع بالأخلاق عالية وشهامة وقيم متوارثة6..).

وأخيرا يقول الكاتب المرحوم أحمد ملا خليل في كتابه من أذربيجان إلى لالش: (لقد عشت بين الأيزيديين أكثر من ثلث قرن، فما رأيت منهم إلا نبلا وشهامة وشجاعة وأدب وأخلاق واحترام الجار…وهم مفرطون  في القناعة وبسطاء ومسالمون)7.

يتضح من ما سردناه حول النصوص المقدسة للأيزيديين وسلوكهم وطبائعهم وأراء الكتاب والباحثين حول ذلك، إن الأيزيديين يتصفون بالتسامح ولكرم والنبل والشهامة والشجاعة واحترام الجار والأخلاق الحميدة، وهم ينفرون من السب والشتم وهم حريصون على أن  يكونوا نظيفي القلب واللسان، وتصرفاتهم هو انعكاس لتعاليمهم الدينية التي تحثهم على عمل الخير واحترام عبادات الآخرين. وهم قانعون وبسطاء ومسالمين .

المصادر

١- شمو قاسم دناني،چەند تێکستێن پیرۆزێن ئۆلا ئێزدیان، مطبعة هوار، اقليم كوردستان 2012 ، قەولێ دۆتا قازی، ص53، ج1

2- عزالدين سليم باقسري، مەرگەه، مطبعة خبات، اقليم كوردستان،2003، قەولێ ئاخرەتێ، ص355

3- عزالدين سليم باقسري، مەرگەه، مطبعة خبات، اقليم كوردستان،2003، قەولێ ئاخرەتێ ص359

4-  ازاد سعيد سمو، اليزيدية من خلال نصوصها المقدسة،2001، المكتب الاسلامي، ص224-227

5- زهير كاظم عبود، طاؤوس ملك رئيس الملائكة  عند الايزيديين، المؤسسة العربية لدراسات والنشر،2008 ، ص7

6- زهير كاظم عبود، لمحات عن الايزيدية، مكتبة النهظة، بغداد، 1994، ص 7

7- أحمد ملا خليل، من اذربيجان الى لالش، دار سبيريز للطباعة والنشر، اقليم كوردستان، 2003، ص197-198

ملاحظة/ نشر هذا المقال في مجلة لالش العدد 52

 

><