تأليف : إ. م. بوشنسكي
ترجمة : د. عزت أبو قرني
هي أحد الحركات التي ساهمت في قطع الجسور مع اتجاهات القرن التاسع عشر الميلادي وفي بناء الفلسفة الحالية في القرن العشرين هي اتجاه الفينومينولوجيا ، الذي بدأ من قضايا فلسفية مغايرة تماما للقضايا التي بدأ منها الاتجاه الناشئ عن أزمة العلوم الطبيعية والرياضية ، والذي كان يهدف إلى أهداف مختلفة عن أهداف هذا الاتجاه الجديد . وإذا أردنا استخدام اصطلاح « الفينومينولوجيا » استخداما صارما فإنه لا ينطبق على الدقة إلا على منهج إدمند هسرل ، ولكن الباحثين يستخدمون هذا الاصطلاح للإشارة إلى مجموعة كبيرة من المفكرين الذين يمثلون اتجاها مماثلا له . ومؤسس هذه الحركة هو الألماني فرانز برنتانو ( 1838 1917 م ) ، وكان قسا دومينيكانيا ، ولكنه ترك الرهبنة ثم خرج على الكنيسة ، وإن بقي متأثرا في أكثر من ناحية بالفكر الأرسطي وبالفلسفة التوماوية نسبة إلى توما الأكويني فيلسوف الكنيسة في العصور الوسطى المسيحية ) ، وهو ما يظهر من اتجاهه الموضوعي ، ومن إقباله على التحليلات الدقيقة وعلى البحوث المنطقية . وقد خلف تلامذة ثلاثة كان لهم تأثيرهم الكبيرة وهم تفارفسكي ومينونج وهسرل . ورغم أن تفاردفسكي لم يكن منطقيا هو نفسه ( 1866-1938م ) ، إلا أنه أصبح مؤسس المدرسة المنطقية البولندية ، وهي التي ستساهم بنصيب واضح في تطور المنطق الرياضي . أما مينونج ( 1853-1921م ) فإنه قدم « نظرية الموضوع وأسس مدرسة ، هي صغيرة ولكنها مؤثرة . وأهم تلامذة برنتانو هو إدموند هسرل ( 1859-1938م ) الذي قام على إبداع المنهج الفينومينولوجي بالمعنى الدقيق . وهذا المنهج يقوم في أساسه على تحليل جوهر المعطى أو الظاهرة ، وقد أصبح ، وبعد الحرب الأوربية الكبرى الأولى ( 1914-1918 ميلادية ) على الأخص ، المنهج الأكثر انتشارا مع الأزمه منهج المنطق الرياضي .
والاختلاف الرئيسي بين الفينومينولوجيا والمنطق الرياضي يقوم في أن المنهج الفينومينولوجي لا يستخدم الاستنباط على الإطلاق ولا يهتم إلا قليلا باللغة ( رغم اهتمام هسرل نفسه بها ) ، ولا يقوم بتحليل الوقائع التجريبية ، بل بتحليل الماهيات . ومن المفيد أن نلاحظ أن كتاب مينونج الأساسي ، وهو « حول الإثبات » ، ظهر في 1902 م . بينما كان كتاب هسرل البحوث المنطقية » ، وهو أحد أخصب الكتب التي ظهرت في النصف الأول للقرن العشرين الميلادي ، قد ظهر في عام 1900-1901م . ويقترب إلى حد ما من المنهج الفينومينولوجي المنهج « التحليلي » عند الفيلسوف الإنجليزي جورج مور ( 1873 ) ، وهو الذي أصبح عند رسل التحليل الرياضي المنطقي . وهذا المنهج التحليلي يكتسي طابعا خاصا عند مور ، الذي يقترب في كتابه « مبادئ الأخلاق » ، الظاهر سنة 1903 م ، من منهج مينونج ويبدو متأثرا به إلى حد ما . بل إن تأثير مينونج ليظهر على أكثر من وجه عند رسل في كتابه « أسس الرياضيات » ، كما أن تطور المنطق الرياضي ، من بعد ، سوف يتأثر بعدد من الأفكار الهامة عند هسرل.