خلف حجي حمد
عندما كنت صغيرا كان جارنا في الزقاق المجاور يمتلك جهاز راديو روسي من الحجم الكبير وعندما كان يستمع في ليالي الصيف الى البرامج التي كانت تبث عبر اثير القسم الكوردي في اذاعة يريفان كنا نحن الجيران ايضا نسمع تلك الاغاني و الموسيقى الكردية الجميلة خاصة عندما كان الفنان الايزيدي الراحل (عەگيدێ جەمۆ) ينفخ في آلة الناي كان كل من يستمع ألحانه يشعر بالحزن والحنين الى حياتهم القديمة في قرى جبل شنكال حيث الرعاة وهم يهتمون بقطعان الأغنام وهي تتحرك وتبحث عن الحشائش بين الاودية ويجلب النساء الماء من آبار وينابيع القرى ويذهبن معاً لجمع الحطب ..
في ذلك الوقت كان هنالك في شنكال أيضاً من يغني ويعزف ويحافظ على إرث أجداده ولكون الموسيقى جزء لا يتجزأ من ديانة أسلافهم حتى تم ترحيلهم من قراهم الأصلية في الجبل الى المجمعات القسرية التي أنشأها النظام آنذاك ولم يمضي الكثير من الوقت حتى اندلعت الحرب العراقية الايرانية وفقد العديد من الايزيديين لابنائهم واقاربهم الامر جعلهم يعتزلون الغناء وبعدما انتهت الحرب فرض الحصار الاقتصادي لذلك فضل أغلبهم البحث عن لقمة العيش بدلا من الانشغال بالموسيقى والغناء .
الة النفخ (الناي) في شنكال
واليوم نستذكر احد من أولئك المبدعين الايزيديين الشنكاليين الذين ألهموا أصدقائهم ومحبيهم بموسيقاه الجميلة و ألحانه الخالدة التي لا يمل الأذان من سماعها والذي رحل من قريته في السفح الشمالي لجبل شنكال الى مجمع خانصور الذي شيد في السبعينات من القرن الماضي ، ألا وهو العم حسن اوصمان عيدو الذي ولد في قرية (حليقي ) في الشمال من جبل شنكال في العام ١٩٤٢ م، حيث نشأ وكبر هناك وعزف منذ صغره على آله موسيقة قد تكون الأقدم على مر التاريخ ،ويعود عمرها الى أكثر من ٣٠٠٠ ألف عام إلا هو المطبك أو الناي الاشوري وهي من آلات النفخ ويتكون من مزمارين متلاصقين فيه ثقوب يمكن للعازف وضعهما في فمه ونفخ فيهما بسهولة، ولها عدة انواع منها الارغول عند قدماء المصريين كما كانت آلة موسيقية مفضلة لدى الرعاة السومريين .
العم حسن الذي رحل من قريته وموطن صباه قسرا ظل وفياً لموسيقاه رغم كل الظروف وهو من عائلة فنية وزوجته (كوري خلف ) أيضا معروفة بصوتها العذب، وهي تغني أغاني الرثاء ،وابنه قاسم فنان معروف حيث هاجر وطنه الى استراليا بعد الابادة الايزيدية في شنكال في العام ،٢٠١٤ وهو يحيي الحفلات للجالية الايزيدية هناك أيام الأعياد والمناسبات الدينية .
صورة للعم حسن وهو يعز اله النفخ الناي .
بالرغم أنه شهد خلال سنوات حياته الثمانون الترحيل والنزوح ومآسي لا تعد ولا تحصى لكنها لم تتغلب على إرادته وحبه للموسيقى لذلك فاننا نقول دائما بأن لا صوت يعلو على صوت شنكال فهو موطن الشجاعة والحياة والموسيقى والغناء فيها شعب حي متمسك بأرضه وجذوره وتراثه وثقافته مهما حدث فقد تنحني يوما لكنها تأبى أن تنكسر.