سیما تیڤی

مرور( 132) عاماً على إبادة الايزيدية من قبل الفريق عمر وهبي باشا (19- آب 1892م )

الباحث/ داود مراد ختاري

بعد فشل الحكومة العثمانية في تحويل الايزيديين عن عقيدتهم بالقوة عمدت إلى الإقناع الديني، أخذت ترسل إليهم حملات تدعوهم الى الاسلام، فأرسلت (مسعود أفندي)) مفتى ديار بكر مع جماعة من العلماء وذلك سنة 1892م، ويقال كان في سنة 1891م يساعده الشيخ سليم الخالدي ((داود مراد ختاري، الإيزيدية في الوثائق العثمانية (1886-1893م)، جامعة دهوك 2010م))

وتعتبر تلك أول بعثة دينية إلى المناطق الايزدية، ولم تكن لتسر هذه البعثات الايزيديين الذين لم يوافقوا على دخولها مناطقهم وتغلغلها بين صفوفهم، فما كان من السلطة إلاّ إن أخذت هذا التحويل على عاتقها واتبعت سبيل إجبارهم على قبول الدين الإسلامي، أرسلت لذلك الفريق (عمر وهبي باشا)) الذي يصفه الدملوجي بـ (الصلف والحمق والغرور)) فاحضر أمراء الايزيدية وشيوخهم ودعاهم إلى الإسلام، اسلم البعض منهم تقية وامتنع الباقون ((صديق الدملوجي، اليزيدية ، الموصل 1949))

اتبع عمر وهبي باشا سياسة الترغيب والترهيب مع الإيزيدية، فوجه دعوة إلى الأمير ميرزا بك وعدد من الزعماء الآخرين في آب 1892 للحضور إلى الموصل، فلبوا الدعوة ووصل ميرزا بك مع أربعين من زعماء ووجهاء الإيزيدية.

وذكر محمد التونجي في كتابه الايزيدية  : عمر وهبي باشا فأعد حفلاً عسكرياً ضخماً لاستقبالهم بهدف التأثير في نفوسهم، وشارك في الاستقبال بالإضافة إلى عمر وهبي باشا علماء الدين وبعض القطعات العسكرية المرابطة في الموصل, فضلاً عن فرقة موسيقية عسكرية، وخلال الاجتماع الذي عقد في دار الحكومة دعا عمر وهبي باشا ميرزا بك وزعماء الإيزيدية إلى التخلي عن ديانتهم واعتناق الإسلام .((محمد التونجي ، اليزيديون واقعهم تاريخهم معتقداتهم دار الجيل للنشر والطباعة والتوزيع, 1999))

في كتاب ”مذكرات المطران (مار قورلس بولس دانيال الباخديدي) (1831- 1916)“ الذي حضر الاستقبال قال : وصل وجهاء وأكابر الديانة الايزيدية مع رؤساء ديانتهم الروحانيين يوم الجمعة 19 آب 1892م صباحًا وكان عددهم حوالي السبعين نفراً إلى الموصل، فلما وصلوا عند القناطر برأس الجسر ((اليوم يسمى الجسر العتيق أو الجسر الحديدي))، طلع قدّامهم شرذمة من العسكر مع الموسيقى والعلماء والقاضي والمفتي والنقيب وأعضاء المجالس البلدية وكثير من المسلمين يتقدمهم خمسة بيارق من الجوامع والشيوخ مع دفوفهم وحرابهم. وحضر الفريق بنفسه (الفريق عمر وهبي باشا)) الذي وصل إلى الموصل يوم الاثنين 4 تموز من نفس العام، وعرف عن هذا الفريق الباشا ظلمه وقساوته في القوج (العربة) إلى رأس الجسر. وترجّل من العربة وعبر الجسر فتبعوه، قسمًا منهم راجلين وآخرون راكبين الخيل، والفريق أمامهم وبقية المستقبلين كما مرّ أعلاه. ولما وصل الفريق إلى أحد العلماء رأى بينهم الحاج عبدالرحمن أفندي الرضواني فمسكه من كتفه وأصعده الى العربة وأركبه الى جانبه، وبدأت الموسيقى تصدح أمامهم إلى أن وصلوا القشلة والمشايخ تشيخ ( بالتراتيل) وهم يقرعون على الدفوف لأنهم حصلوا على بغيتهم وهي اعتناق هؤلاء الايزيدية الاسلام.

ولكن يا له من منظر مرعب مهول، لما وقع على هؤلاء المساكين وما جرى عليهم من الاضطهاد البربري الذي لم يقم به ملوك رومية على الشهداء في تلك الأيام من القساوة البربرية الوحشية، لأنهم قبضوا على واحد واحد من اليزيدية وطلبوا منه قول الشهادة الاسلامية، فالذي يقولها، ويقول أنا مسلم ويتشاهد كانت الموسيقى تدق له ويعظموه ويبجلوه، ويقدمون له مشروبًا، والذي يرفض وما يقبل الاسلام كانوا يعرّونه من ثيابه كلها بالزلط، ويلقونه على فمه على درج القشلة ويبدأون يجرونه من رجليه على الدرج الى أن يصل الى الحوش. وقد عملوا هكذا بخمسة أنفار، فتهشمت مناخره ووجوههم وتكسرت جماجمهم. وعندما كانوا يصلون الى الارض، كانت تجتمع عليهم ألوف في ألوف من المسلمين ويبدأون يركلونهم أرجلهم وبالقوندرات بأقدامهم على رؤوسهم ورقابهم وظهورهم وبطونهم حتى سحقوا لحمهم مع عظامهم، وأربعة منهم ماتوا حالاً. ومن عاين شهد وشهادته حق هي، وهو نعوم يوسفاني وبهنام خياط، فقد كانا حاضرين هذا المشهد المهول حينما ذهبوا لزيارة يوسف يوسفاني في القشلة إذ كان قد تحوّل من الحبس في أسكي صراية الى القشلة بسبب وعكة صحية ألمّت به في سجنه الأول. فيالها من قساوة بربرية، فانصدعت الناس من هذا العمل الهمجي…وأما بقية الايزيدية الذين نجوا من الموت فقد سجنهم الفريق الباشا))وهو يطلب منهم اعتناق الاسلام رغمًا عنهم وخلافًا لكل قانون..(( اليزيدية في كتاب “مذكرات المطران مار قورلس بولس دانيال الباخديدي” (1831- 1916) تحقيق وحواشي: الأب الدكتور سهيل قاشا. الطبعة الاولى 2001 بيروت – لبنان)).

وفي 20 آب يوم السبت: جلب الفريق باشا بواسطة العسكر آلات طقوس عبادة اليزيدية من باعذرى وبعشيقة وبحزاني من الطاسات المكتوب دائره (حول حافاتها) .. وشمعدانات وأشياء أخرى، وأحضرها الى القشلة وشرع يرفسها بقدمه سيما الملك طاووس ويستهزىء به أمام الايزيدية الذين كانوا حاضرين في القشلة ويقول لهم: أهذه هي ديانتكم، ولهذه الأشياء تسجدون وتعبدون ؟ ألستم تقولون أن يشوّر فيك ؟ ها أنا أرفسه برجلي، لماذا لم تيبس رجلي.. وكان كل من يزوره في مقرّه كان يصحبه الى المحل الذي وضع فيه هذه الآلات ويتفرّج عليها مستهزئًا بها.  ((سعيد الديوه جي، اليزيدية، المجمع العلمي العراقي، 1973، ص228-229)) ،وقرر الفريق باشا بعد عيد جلوس السلطان أن يسافر الى الشيخان بمعية العسكر والموسيقى تتقدمه لكي يهنّىء الايزيدية الذين اعتنقوا الاسلام ويدمّر اولئك الذين رفضوا ذلك وعصوا أوامره.

أعد عمر وهبي باشا حفلاً عسكرياً ضخماً لاستقبالهم بهدف التأثير في نفوسهم، وشارك في الاستقبال بالإضافة إلى عمر وهبي باشا علماء الدين وبعض القطعات العسكرية المرابطة في الموصل, فضلاً عن فرقة موسيقية عسكرية، وخلال الاجتماع الذي عقد في دار الحكومة دعا عمر وهبي باشا ميرزا بك وزعماء الإيزيدية إلى التخلي عن ديانتهم واعتناق الإسلام

ويقول الرحالة (باري) (الذي كان موجوداً في الموصل حينذاك), أن عمر وهبي باشا استخدم مختلف الأساليب لتحقيق هدفه في إجبار الوفد الإيزيدي على اعتناق الإسلام ، فكان من بين الذين تظاهروا بالإسلام(2) الأمير ميرزا بك وعدد من الإيزيديين الآخرين، أما الذين رفضوا فكان نصيبهم أشد أنواع التعذيب, ومات بعضهم من هولها.((ارشد حمد محو ، الإيزيديون في كتب الرحالة البريطانيون 2016)).

يوم ١٥/نيسان١٨٩٣ قاد جيشاً وهاجم شنكال

ويذكر خيري شنكالي : حينما أدرك أهل سنجار بقدوم قوة وهبي باشا، اجتمعوا تحت ظل شجرة زفنك وأقسموا بالتصدي لهذه القوة، وكان عددهم ما يقارب مائة رجل من كافة عشائر سنجار

وكان محمد يحيى من ال خدر خلف كردي سنجاري أصبح مترجماً ما بين الايزيدية والحكومة، وكان سفوك باشا الدومبلي قائداً لجبل سنجار ، وحينما وصل الجيش الى التل الاسود، الايزيدية تركوا قراهم ولجؤ الى القرى الحصينة قي (بكرا واوسفان) ((خيري شنكالي، موقع بحزاني نت))

ذهب المترجم محمد يحيى مع وفد حكومي الى دار سفوك باشا، وسفوك تباحث مع الفقير بكر سينو ال زَرؤ، ثم قال له الوفد الحكومي: أين اهالي القرى؟، فأجابهم بانهم قد رحلوا، فرد عليه الوفد: يبدو انكم قد تهيئتم لملاقاة قوات الحكومة، اليس من الافضل ان تسلم نفسك الى الحكومة وانها تمتلك الرحمة والشفعة لمواطنيها؟، وافق سفوك على دفع فدية لهم ، مقابل عدم المواجهة، لكنهم رفضوا هذا المبلغ، فما على سفوك الا بالتحزم وابلغوا المقاتلين بعدم الذهاب الى هول وبحرك، وامتلىء سهل سولاغ بأصحاب الطاقية الحمراء والافندية، وكان صالح (جد قاسم خدر) مرافقاً لمحما، أعلم أهل جبل شنكال ، وجمع الايزدية وصل الى (كيدوكا لَيلا) من ناحية الشرق، وبدأت المعركة من جهة الشرق، في اليوم الثالث للمعركة الدامية، جلب محما ابنه الراعي تركاً الغنم بلا راعِ، وانتهك حرمة العوائل من قبل العسكر، تباحث محما مع سفوك الدومبلي طالبت زريفا شقيقة محما بان يواجهوا عسكر الفريق وسيكون النصر حليفهم.((داود مراد ختاري، الوثائق العثماني، المصدر السابق))

هاجموا العوائل من بوابة الوديان، وكان شباب الايزدية فوق القمم العالية ، وتزغردوا، ولم يكن من العجائب ان تتصادم العيارات النارية في الهواء، ومن ناحية أخرى كانت زريفة الدنايي ومجموعة من النساء يتزغردن، فقال لها محما الهبابي: ما هذه يا أختاه؟ فقالت: يتبادر الى أذهاننا إن النصر سيكون حليفنا فتحزم الى المعركة، فامسكت زريفة بلجام فرسه طالباً منه ان تكون بمعيته في المعركة، تتزغرد كي تشجع للقتال أكثر.

فقال لها: ماذا تفعلين يا زريفة ؟ فان أصابك عيارة نارية اليس عيب علينا، بحق الله تعودين، محما مع شخص من عشيرة قيران هاجموا على المدفعية، استشهد القيراني ووصل محما الى عداد المدفعية وقتله، فهرع العسكر مدركاً بان مقاتلي الايزدية قد سيطروا على المدفعية، فانهزموا.

وفي الوثائق العثمانية : بعث الفريق ببرقية أخرى الى استنبول زعم فيها بأنه نجح في تحويل (20) الف من الايزيدية الى الاسلام، ومن وقائع سنة 1893م: في 31 آب يوم الخميس الموافق/ 19 آب شرقي / 18 صفر 1311هـ : وقع عيد مولانا السلطان عبد الحميد خان…في هذا العيد لم تطلق المدافع لعدم وجود الطوبجية (المدفعية) ووقتئذ كان كافة رجال المدفية (الطوبجية) في سنجار لمحاربة الايزيدية مع سبعة طوابير عسكر.((داود مراد ختاري، الوثائق العثماني، المصدر السابق))

الملاحظة الاولى : لقد أدرك الأمير ميرزا بك بانه سيتم تعذيب جميع رجاله ثم قتلهم، لذا رأى من الأفضل انقاذ نفسه ورجاله، والديانة الايزيدية لا يعتبر الايزيدي خارج عن ديانته، اذا قال خرجت عن العقيدة تحت تهديد السلاح،  وبعد عودته الى باعذرة عاش مع مللته وعائلته كايزيدي مخلص لعقيدته .

الملاحظة الثانية: لقد أكملت كتاباً عن هذه الحملة (230 صفحة ) بعنوان (حملة ابادة الايزدية عام 1892 وفق الوثائق العثمانية)

الصورة الاولى / ايقاد الشموع على ارواح الضحايا لحملة الابادة عام 1892م

الصورة الثانية / صورة المجرم الفريق العثماني عمر وهبي باشا

الصورة الثالثة / الأمير ميرزا بك بن حسين بك (1838-1899 لعدم توفر صورته طلبت من الرسام المبدع (كمال حراقي) فرسمه لنا بريشته مشكوراً . (استند بالمعلومات والصور المتوفرة لوالده حسين بك واشقاءه واعمامه)

><