سیما تیڤی

مركز لالش: حارس الهوية الإيزيدية ومنارة الثقافة الكوردية

سما

 

مناسبة تتجدد كل عام

تفصلنا أيام قليلة عن مناسبة غالية على قلوب الكورد عمومًا والإيزيديين بشكل خاص. إنها مناسبة تأسيس مركز لالش، الذي بات رمزًا للحرية الثقافية والدينية لدى الإيزيديين. في كل عام، نترقب هذه الذكرى بأمل جديد وطموح متجدد، آملين أن تكون خطوات المركز أكثر رسوخًا وتأثيرًا في الحفاظ على التراث الإيزيدي وتطويره.

واجب الدولة في دعم الثقافة الإيزيدية

من الواجب على الدولة أن تواصل دعمها لنشاطات المركز الثقافي، خاصة أنه تأسس في ظل ظروف الحرية، رافعًا شعارات تنادي بـ: كل الأقلام في صفوف الكتاب والأدباء من أجل غدٍ أفضل للإيزيدية دينًا وثقافة.المركز لم يكن مجرد مبنى أو شعار، بل حركة ثقافية تحمل على عاتقها مسؤولية حماية العادات وتوثيق الأقوال والحِكم، جامعًا في رحابه كل من يؤمن بدور الثقافة في تعزيز الهوية.

البداية من نور إلى نور

منذ ولادته في نور، أخذ المركز على عاتقه مسؤولية شاقة، حيث بدأ صغيرًا بقلة من أهل القلم والثقافة، ليس فقط من الإيزيديين، بل أيضًا من المثقفين الكرد المهتمين بالديانة والثقافة الإيزيدية. كان التحدي كبيرًا، لكن الإرادة كانت أكبر، فخاض المركز رحلة تطوير شاقة على مدى السنوات.

لم يكن المركز مجرد فكرة عابرة، بل كان تجسيدًا لرؤية تسعى لجمع المثقفين وتوحيد الجهود لخدمة المجتمع الإيزيدي، حتى أصبح اسم “لالش” مرادفًا للثقافة والإبداع. من هنا، كان لا بد من تكريس الجهود لزيادة الوعي بأهمية هذا المركز، الذي لا يمثل مجرد كيان ثقافي، بل رمزًا للنضال الفكري والحفاظ على الهوية.

لالش: من المحلية إلى العالمية

مع مرور الوقت، تطور المركز من تجمع صغير إلى مؤسسة ثقافية رائدة، تمتد نشاطاتها لتشمل كل المناطق التي يتواجد فيها الإيزيديون. وأصبح مركز لالش علامة بارزة في تنظيم الندوات والفعاليات الثقافية والفكرية، وعقد المؤتمرات التي جذبت الباحثين والكتاب من مختلف أنحاء العالم.

لقد تمكن المركز من تأسيس شبكة من الفروع في مختلف مناطق تواجد الإيزيديين، مما عزز دوره كمظلة ثقافية تضم تحتها العديد من النشاطات الإبداعية. هذا التوسع لم يكن فقط جغرافيًا، بل فكريًا أيضًا، حيث انفتح على مختلف التيارات الثقافية والفكرية التي تساهم في تنمية الوعي الجماعي.

دور لالش في دعم البحث العلمي

أصبح المركز منبرًا علميًا موثوقًا، حيث تُصدر من خلاله مجلات رصينة تحتوي على أبحاث ودراسات معمقة حول الدين والثقافة الإيزيدية. وبفضل هذا الجهد الدؤوب، تمكن من كسب احترام المؤسسات الأكاديمية، ليصبح شريكًا في الفعاليات الثقافية والأكاديمية.

وفي خطوة مميزة على هذا الصعيد، نظم مؤخرًا مؤتمر لالش بالتنسيق مع عمادة العلوم الإنسانية في جامعة دهوك، حيث جذب المؤتمر اهتمام المثقفين والأدباء والباحثين من شتى أنحاء المعمورة. كان هذا الحدث فرصة لتقديم أطروحات غنية حول الهوية الإيزيدية في العصر الحديث، مما يؤكد المكانة العلمية والثقافية المتنامية للمركز.

إسهام في حماية التراث والحفاظ على الهوية

لقد بات المركز مرجعًا أساسيًا في توثيق التراث الإيزيدي وحفظه من الضياع. من خلال أرشفة العادات والحِكم والأقوال المأثورة، يسعى المركز إلى ضمان بقاء الثقافة الإيزيدية حية بين الأجيال القادمة. كما يحرص على تطوير المحتوى الثقافي من خلال دعم الأقلام الشابة وإبراز مواهبهم، لتظل الرسالة الثقافية متجددة وملهمة.

رسالة متجددة ورؤية نحو المستقبل

مركز لالش لا يمثل مجرد كيان ثقافي أو ديني، بل هو مؤسسة تهدف إلى تعزيز الهوية الكوردية والإيزيدية على حد سواء. في كل ذكرى تأسيس، تتجدد الآمال بأن يواصل المركز دوره الريادي في جمع المثقفين والأدباء تحت راية واحدة، راية الحفاظ على الإرث الثقافي ومواجهة التحديات المعاصرة.

تحية وفاء لرواد لالش

مع اقتراب ذكرى تأسيس مركز لالش، نتوجه بتحية لكل من ساهم في بنائه وتطويره، من مثقفين ورواد و شهداء القلم حملوا على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على الهوية الإيزيدية. لالش هو ذاكرة حية لا يمكن إغفالها، ودليل على أن العطاء الثقافي لا حدود له إذا ما توفر الإصرار والإيمان بالرسالة.

لقد أثبت المركز أن الإرادة الجماعية قادرة على تحقيق المستحيل، وأن الصمود الثقافي لا يقل أهمية عن الصمود في مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية. دامت جهود مركز لالش في حماية التراث الإيزيدي، وليظل منارة تنير دروب الباحثين عن المعرفة والهوية

د. ابراهیم احمد سمو

><