حليمة شنكالي
هناك مثل كوردي يقول: ”الرجال يقتلون بعضهم بعضًا، وخلو وجبري يعدان الباجة!“
القصة تروي أنَّ ”خلو وجبري“ بقيا منشغلين في إعداد طبق الباجة، في حوش بيتهما الفقير، واستمرا بإعداده رغم اندلاع قتال بين رجال المحلة وأصوات الفوضى والصرخات، إلا أنَّ خلو وجبري لم يُشغلا أنفسهما ولو بفتح الباب للاطلاع على ما يجري.
كانت البيوت قديمة، والجدران الفاصلة بينها منخفضة الارتفاع، مما جعل سكّان المحلة يرون “خلو وجبري” وهما يعيشان لحظاتٍ من السعادة، حيث كانا يتبادلان الابتسامات والنظرات المليئة بالحب والغرام، وهما يعدان طبق الباجة.
فقال سكان المحلة مستنكرين:
-الرجال يقتلون بعضهم بعضاً، وخلو وجبري يعدان الباجة!
ومنذ ذلك اليوم أصبح خلو، الفقير الذي يشتغل بأجور يومية، شخصاً مكروهاً في المحلة، بل في المنطقة كلها، وأصبحت زوجته جبري الفاتنة الحسناء، ثقيلة الدم، لا يطيق أحدٌ، لا من الرجال ولا من النساء، رؤيتها.
بيننا الآن من يحب ويعشق الدولارات! مثلما كان خلو يحب ويعشق جبري.
بيننا الآن من يحسب أنّ النفط نفطه والدولارات دولاراته، يفعل بها ما يشاء وقد يجعلها حشوة لدُوشك ينام عليه! مثلما خلو يرى أنّ الباجة اشتراها بفلوسه، وعليه أن يساعد حبيبته جبري في إعدادها ويتنعمان معاً بتناولها، ولو قتل رجال المحلة كلهم بعضهم البعض!
خلو كان إنساناً طيباً، فقيرًا يريد أن يعيش بسلام، يبتعد عن الشر، وليس مسؤولاً بأي شكلٍ من الأشكال عن القتال الذي دار في المحلة. لكن الذين ينامون على دواشك الدولارات مسؤولون بشكلٍ أو بآخر عن انتشار وزيادة جرائم القتل في وطننا هذا.
خلو لم يكن مسؤولاً عن أي شيء في المحلة، ولكن الكشاخون النفاخون مسؤولون عن شحّة المياه وجفاف نهر دجلة وتحوّل الواحات والبحيرات إلى صحراء، وهم المسؤولون عن المواطن الذي ينتظر الماء يأتي ولو لنصف ساعة في اليوم، يعرف المواطن جيدًا أنّه لا يكفي، لكنه أفضل من ”الماكو“ ويعرف أن زوجته تقتصد بالماء حتى لا يضطر لشرائه، يعرف أنها تعدّ طبق ”البرغل الأحمر“ يوميًا لأنه لا يحتاج إلى ماء كثير، وكذلك يعرف المواطن جيداً أيضاً أن سارق ماله وحلاله يأكل التكّة، الكبة، الكباب، تشريب اللحم والباجة وكل ما يشتهيه!
يدور مواطننا المظلوم حول المضخة وصنبور الماء، فجأةً تنطفئ الكهرباء، يضرب كفًا بكف ويلعن انقطاع الماء والكهرباء والراتب، يلعن النفط والغاز وطبق البرغل، ويلعن الحب والغرام والزواج.
يلعن المواطن الفقير اليوم الأسود الذي ولد فيه في هذا الوطن، الذي ينام فيه جوقة من الفاشلين على دُواشك محشوة بالدولارات، بينما يصاب هو بالأرق ليلاً ويضع رأسه على وسادته المحشوة بدراما وحشية من التمزق والعذاب والحرمان.
و يبدأ سراً بالبكاء.
البکاء الى متى؟!