أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن انسحابه من السباق الرئاسي في الانتخابات المقبلة، قائلاً “هذا من أجل مصلحة حزبي وبلدي”.
ويأتي ذلك قبل أربعة أشهر من ذهاب الأمريكيين إلى صناديق الاقتراع، ما سيقلب السباق إلى البيت الأبيض رأساً على عقب.
ويأتي ذلك بعد أسابيع من الضغوط الشديدة من جانب زملائه الديمقراطيين بعد أداء متعثر في المناظرة ضد الجمهوري دونالد ترامب في نهاية يونيو/حزيران.
وعبر في رسالة نشرها على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، عن تشرفه في خدمته كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.
وشكر الرئيس بايدن نائبته كامالا هاريس، قائلا إنها كانت “شريكة غير عادية”، متعهداً بأن يلقي كلمة أمام الأمة “في وقت لاحق من هذا الأسبوع للحديث حول قراري”.
يذكر أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستجرى في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، وسيتولى الفائز الحكم لمدة أربع سنوات.
قاوم بايدن، الذي يبلغ عمره واحدا وثمانين عاما، بشدة الدعوات لتنحيه من سباق الانتخابات الرئاسية.
وبدأت تلك الدعوات منذ أدائه المضطرب في المناظرة التلفزيونية مع منافسه دونالد ترامب قبل ثلاثة أسابيع.
تمسك بايدن بالادعاء بأن أهليته الصحية والعقلية لا غبار عليها وبأن ما حدث في المناظرة كان حدثا استثنائيا بسبب التعب والمرض ولا يعبر عن وضعه العام.
كان بايدن يتحصن أيضا بحقيقة أنه فاز في الانتخابات التمهيدية التي نظمها حزبه قبل أشهر، ولم يدعم أي من قادة الحزب وداعميه وقتها أي مرشح ضد بايدن ولم يثيروا بقوة قضية أهلية بايدن وحالته وجاهزيته للبقاء في الرئاسة لأربع سنوات إضافية.
لكن ذلك تغير بعد المناظرة التلفزيونية التي أقنعت كثيرين أن بايدن لن يستطيع الفوز على ترامب.
في النهاية خضع بايدن للضغوط وأعلن تنحيه عن الترشح وقال إن ذلك “هو القرار الأفضل من أجل مصلحه حزبه وبلده”.
وأيد بايدن نائبته كاملا هاريس لتكون مرشحة الحزب لمواجهة ترامب في الانتخابات التي ستجري في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لكن تأييد بايدن لايعني أن فوز هاريس بالترشح محسوم. إذ قال بايدن في تغريدة على منصة إكس “اليوم أودّ أن أقدم دعمي الكامل وتأييدي لكامالا لتكون مرشحة حزبنا هذا العام، أيها الديمقراطيون- لقد حان الوقت للتجمع معاً لهزيمة ترامب، دعونا نفعل ذلك”.
من جانبها قالت هاريس: “سأفعل كل ما بوسعي لتوحيد الحزب الديمقراطي – وتوحيد أمتنا – لهزيمة دونالد ترامب وأجندته المتطرفة مشروع 2025”.
وأضافت “أمامنا 107 أيام حتى يوم الانتخابات، معاً سنقاتل ونفوز”.
وتواجه هاريس تحديا كبيرا مع الناخبين إذ إن نسبة تأييدها في كثير من استطلاعات الرأي تبدو أقل من بايدن نفسه، ورغم أن بعض قادة حزبها، الحزب الديمقراطي، أعلنوا تأييد ترشحها، فإن قادة آخرين لم يفعلوا ذلك.
الرئيس السابق باراك أوباما مثلا حيّى قرار بايدن بالتنحي لكنه لم يعلن بوضوح تأييده لهاريس، بل أعرب عن ثقته بأن حزبه سيختار المرشح الأفضل.
واستطاع بايدن أن يوحد أجنحة حزبه المختلفة قبل أربعة أعوام عندما ترشح ضد ترامب وفاز عليه، لكن ذلك انتهى الآن طبعا.
وستواجه هاريس مهمة صعبة في لعب نفس الدور الموحد للحزب الذي سيعقد مؤتمره العام الشهر المقبل لإعلان مرشحه للرئاسة رسميا.
أما مواجهة ترامب- الذي يتمتع الآن بزخم كبير بعد نجاته من محاولة الاغتيال- في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني فهي مهمة أصعب بكثير.
وفي بيان نشر على منصة “إكس” قالا فيه إنهم سيفعلون “كل ما في وسعهم لدعمها”، وأضافا “الآن هو الوقت المناسب لدعم كامالا هاريس والقتال بكل ما لدينا من أجل انتخابها”.
وتابعا “لقد مررنا بالعديد من التقلبات، لكن لا شيء جعلنا أكثر قلقا على بلدنا من التهديد الذي تشكله ولاية ترامب الثانية”، وختما منشورهما بـ”لقد وعد بأن يكون ديكتاتورا منذ اليوم الأول، والحكم الأخير الذي أصدرته المحكمة العليا الخاضعة له لن يؤدي إلا إلى تشجيعه على تمزيق الدستور أكثر”.
ترامب: بايدن لم يكن مناسباً للرئاسة ولا للخدمة
من جهة قال المنافس من الحزب الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب إن بايدن غير قادر على أن يكون رئيساً.
وجاء رد ترامب عبر منصته “تروث سوشيل”: “لم يكن جو بايدن مناسباً للترشح للرئاسة، وبالتأكيد ليس مناسباً للخدمة، ولم يكن كذلك أبداً!”
وأضاف: “لم يصل إلى منصب الرئيس إلا بالأكاذيب والأخبار الكاذبة، كل من حوله، بمن في ذلك طبيبه ووسائل الإعلام، كانوا يعلمون أنه غير قادر على أن يكون رئيساً”.
وختم ترامب “سوف نعاني بشدة بسبب رئاسته، لكننا سنعالج الضرر الذي أحدثه بسرعة كبيرة”.
ردود فعل
وفي أول ردود الفعل حول قرار بايدن بالانسحاب، قال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إن الرئيس جو بايدن أظهر اليوم أنه “وطني حقيقي وأمريكي عظيم”.
وكتب على منصة إكس: “لم يكن جو بايدن رئيساً عظيماً فحسب، بل كان إنساناً مذهلاً حقا”، مضيفاً “بالطبع لم يكن قراره سهلاً، لكنه وضع مرة أخرى بلده وحزبه ومستقبلنا في المقام الأول”.
فيما كتب الرئيس الأمريكي الأسبق، الديمقراطي باراك أوباما، على موقع إكس: “كان جو بايدن أحد أكثر رؤساء أمريكا أهمية، فضلاً عن كونه صديقاً وشريكاً عزيزاً بالنسبة لي”.
وأضاف أوباما “اليوم، تم تذكيرنا أيضاً – مرة أخرى – بأنه وطني من الدرجة الأولى”.
كان أوباما قد عيَّن بايدن نائباً له أثناء فترة وجوده في منصبه.
بدوره، تعهد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بتقديم الدعم خلال الفترة المتبقية من رئاسة بايدن.
وقال بلينكن إنه فخور بالعمل مع جو بايدن على مدار الـ 22 عاما الماضية، وكتب في منشور على ممنصة إكس: “لقد كان- ولا يزال- شرف لي في حياتي”.
وأضاف: “لقد استعاد زعامة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم وحقق إنجازات تاريخية كرئيس”.
وشكر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نظيره الأمريكي جو بايدن على “الخطوات الجريئة” التي اتّخذها لدعم أوكرانيا، مرحّبا بالقرار “الصعب” ولكن “القوي” الذي أقدم عليه سيّد البيت الأبيض بسحبه ترشّحه لولاية ثانية.
من جهته، دعم حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم- أحد منافسي هاريس للترشح في الحزب- ترشيح نائبة الرئيس كامالا هاريس لمنصب رئيسة الولايات المتّحدة.
وكتب نيوسوم في منشور على منصة إكس إنّه “في الوقت الذي تتعرّض فيه ديموقراطيتنا للخطر ومستقبلنا موجود فيه على المحكّ، لا أحد أفضل من نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس للترافع عن القضية ضدّ رؤية دونالد ترامب الظلامية، وقيادة بلادنا في اتّجاه أكثر صحة”.
وأشادت نانسي بيلوسي، وهي ديمقراطية بارزة أخرى، بإنجازات بايدن في منصبه، وكتبت في منشور على موقع إكس، في وصف بايدن بأنه “أمريكي وطني وضع بلدنا دائماً في المقام الأول”.
من جانبه، قال رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، “إذا لم يكن جو بايدن لائقاً للترشح للرئاسة، فهو غير لائق لشغل منصب الرئيس”.
وأضاف جونسون “يجب عليه أن يستقيل من منصبه على الفور”.
في المقابل، قال حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم إن جو بايدن “سيُسجل في التاريخ باعتباره أحد أكثر الرؤساء تأثيراً وإيثاراً”.
وفي منشور كتبه على موقع “إكس”، قال الحاكم الديمقراطي “ناضل بشدة من أجل العمال وحقق نتائج مذهلة لجميع الأمريكيين”.
وقال كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، في بيان إنه “يحترم” قرار بايدن ويتطلع إلى العمل معه خلال الأشهر الأخيرة من رئاسته.
وأضاف: “أنا أعلم أنه كما فعل طوال حياته المهنية الرائعة، فإن الرئيس بايدن سيتخذ قراره بناءً على ما يعتقد أنه في مصلحة الشعب الأمريكي”.
وبعد لحظات من رد فعل كير ستارمر، حذا سلفه ريشي سوناك حذوه، وكتب رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب المحافظين على إكس، أنه أثناء العمل مع بايدن، “رأى عن كثب حبه لأمريكا وتفانيه في الخدمة”.
وأضاف أن “شراكتنا أدت إلى إنجازات مهمة، بما في ذلك التعاون العسكري والدعم الثابت لإسرائيل والجهود المشتركة في الدفاع عن شعبنا من تهديدات الحوثيين”.
كما شكر وزير الخارجية البريطاني الأسبق جيمس كليفرلي الرئيس جو بايدن ووصفه بأنه “صديق عظيم للمملكة المتحدة”.
وكتب عبر إكس أنه كان من “السرور” كوزير للخارجية مقابلة بايدن في رحلاته إلى بريطانيا.
وقال المستشار الألماني أولاف شولتز، إن بايدن “حقق الكثير: لبلاده، ولأوروبا، وللعالم”.
وأضاف “بفضله أصبح التعاون عبر الأطلسي وثيقاً، وأصبحت الولايات المتحدة شريكاً جيداً وموثوقاً به بالنسبة لنا، وقراره بعدم الترشح مرة أخرى يستحق الاحترام”.
المصدر: BBC