سیما تیڤی

قصة جبلي امير الهكاري

خلف حجي حمد

 جبلي کان اميرا لألف وسبعمائة عائلة من الهكاريين في كوردستان الشمالية وكان لجبلي مغني فكِهًا بطبعه معروف بروحه المرحة و وجهه الضحوك يغني له ملاحم العشق والبطولة ويسرد له القصص الممتعة اسمه عاشق اومرا ( ئاشق ئومەرا) وذات يوم زار مجموعة من الفرسان الغرباء مجلس الأمير جبلي الذي كان غائبا فطلب عاشق من زوجة الامير ان يعد للضيوف زاداً، إلا أنها ادعت المرض وقالت له بانها قد أعدت وجبة من الحساء تستطيع ان تضعه في صحن كبير وتخلطه بفتات و بقايا أرغفة الخبز الجاف وتقدمه لضيوفنا.

أغضب هذا الكلام عاشق اومرا وقال لزوجة الامير ”انكِ لا تصلحين أن تكوني زوجة لأميرنا فإنك تجلبين العار له“ ، وقام بإرسالها الى بيت والدها وكلفت امرأة اخرى لتبحث بين بيوت القبيلة لتجمع بعض من السمن والخبز ويعد وجبة طعام لضيوف الأمير وبعد أن رحل الضيوف جاء جبلي إلى البيت وسأل عن زوجته فسرد له المغني ما حدث وقال ”انه قام بإرسالها لبيت والدها  واقسم بانها لن تعود اليك ثانيا كما واقسم بانه سوف يخرج بحثا عن فتاة جميلة تصلح أن تكون زوجة له ولن يعود الى القبيلة دون ان يجدها“ حيث ركب الأخير على ظهر أحد البغال قاصدا القبائل الكوردية الشمالية لكنه تأخر في الرجوع إلى قبيلته حيث انتظروه كثيرا لكنه لم يعد بحثوا عنه ولم يجدوا له اثر لذلك اقام الامير لمغنيه ئاشق مجلسا تأبينيا دام سبعة ايام . و كانت ل ئاشق ئومرا زوجة قوية كان قد قام كلب سائب بالدخول لبينها المصنوع من شعر الماعز قبل ليلة وقام الكلب باتلاف الظرف أو العكة (هيزێ ڕون) الذي كانت تضع فيه الدهن أو السمن الحر الذي جمعه طوال العام من حلب أغنامها التي كانت بين أحد قطعان الأمير جبلي لذلك كانت تحرس زوجة المغني خيمتها وفي يدها مدقة خشبية (میکوت) وهي تنتظر مجيء الكلب في تلك الليلة المظلمة لتنتقم منه لأنه أهدر كل ما جناها من سمن طوال عام .   

ولسوء حظ عاشق اومرا جاء تلك الليلة الى بيته بعد غياب طويل حيث كان جائعا للغاية فقال ”لن أيقظ أحداً وذهب للبحث عن طعام وعندما وجدت زوجته بأن هناك من يتحرك بين الأواني واعتقدت بأنه الكلب“ وقد جاء للبحث عن السمن مجددا فضرب صدر زوجها بالمدقة بكل قوتها حيث كان جالسا فصرخ زوجها عاشق صرخة عظيمة وقال لها” لقد كسرتِ كل عظام صدري حينها أدركت الزوجة بأن من يصرخ هو زوجها الذي عاد الى البيت بعدما ظن الجميع أنه مات في مكان ما وليس كلب جائع جاء باحثا عن السمن . حيث قالت زوجته :

(كۆچەرێ جەبەلیێ میرێ هەگارێ کۆچەرەکی غلبەیی مەزن گرانە شەڤی دی کووچکا عيار رونێ من بربوو من گۆت بەلکی تو کووچەکێ گەرۆکی بێ خودانى)

حيث أخبروا الأمير جبلي بأن مغنيه رجع ليلة البارحة لكن زوجته قد كسرت أضلاع قفص صدره بمدقة خشبية ظنا منها بأنه كلب متسول.

حيث ارسل له الامير حكيما لتجبير كسوره وبعد التئام الكسور أخبر المغني اميره بانه وجد له زوجة جميلة بين قبائل الرحل الكوردية (كوچر) اسمها (بنفش خاتون ) وهي ابنة فارس اغا وهي فتاة فائقة الجمال وأنه قادر على ركوب دابته ومرافقتهم الى هناك حيث ذهب الامير جبلي و معه المغني واربعون فارسا وعندما وصلوا الى قبيلتهم ابلغوا والدها بالغرض من زيارتهم حيث وافق على إعطاء ابنته لأمير هكار ،واتفقوا على أن يأتوا بعد أربعين يوما لأخذها بموكب مهيب وعرس لم يشهد له بلاد هكار مثيل وعندما عاد الامير جبلي والمغني ومن معه من الفرسان الى إمارته قام درويش ئاغا ابن عم بنفش خاتون بأخذ ابنة عمه عنوة من والدها واجبار القبيلة على الرحيل الى مراعي أخرى بعيدة .

وقبل أن ينتهي الأيام الأربعون التي اتفق عليها جبلي مع فارس آغا والد بنفشي أرسلوا عاشق اومرا المغني إلى قبيلتهم ليخبرهم بأننا سوف نأتي لنأخذ بنفش خاتون لكنه عندما وصل لم يجد أثر للقبيلة وهي ليست الا اطلال حيث رحلت الى مكان اخر لكن علم بما فعله درويش آغا حينها عاد حزينا بائسا الى هكاري واخبر اميره جبلي  بما فعله درويش آغا . حيث قال جبلي، بانە لن يقدم على حرب ينزف فيها آلاف من أبناء الشمال لذلك سوف يذهب لوحده ليسترد خطيبته لذلك لبس جبلي ملابس الرعاة وبدأ رحلة البحث عن خطيبته التي سلبت منه وبعد بحث دام لأشهر وصل جبلي لمضارب قبيلة فارس اغا حيث وجد ثلاث فتيات كانوا شقيقات و يحلبن الغنم وهناك راعي يمسك برأس الأغنام اثناء الحلب وعندما شاهدوا جبلي احبوه كثيرا وقالوا له بأنك جبلي وجئت الى مضاربنا بحثا عن بنفش خاتون وقد لا تتمكن من الظفر بها مجددا لكن جبلي أنكر ذلك وأخبرهم بانه عابر سبيل تخلف عن أصدقائه وهو ذاهب للبحث عنهم بعد استراحة قصيرة لكن الفتاة الصغيرة سبقت شقيقاتها وقالت لجبلي :

 ( پەزێ بابێ من هەزارە د چێڕیێ ل کانیا حەلێ ل دەشتا رەوانێ ل مەسکەنێ گێرێ ب قرار هەکە تو پێ نکاری ئەزێ ژ تەرا ببمە یاره ) لكن الفتاة الوسطى قالت لشقيقتها الصغرى( دلێ منی دەبێ عەجیبا کەسا نەدیتی چاوا لسەر دوو خوشکێت خوە رە تێ ددیە پێ کوڕ و شڤانێت خەلکێ لۆلۆ).

شڤانۆ سەرێ کەچکا نیڤێ ب قوربانۆ قرار بێ هەکە ت پێ نکارێ ئەزێ لنگێت خوە ئاڤێژمە سلبوونا دويريێ. قالت الفتاة الكبرى لشقيقتيها الأصغر منها. دلێ منی دەبێ چاوا وە ژ خودێ کاریا لسەر خوشکا خوەیا مەزن رە بدنە پی کور و شڤانێت خەلکێ شڤانۆ ئەز ب قربانۆ هەکە شەڤ هاتە نیڤا شەڤێ کەرەمکە نەقبا سینک و بەرێت من شەنگە زەریا نیشێڤ و پاش ئەزێ بەرچیتێت مەمکە کمە غەنیا رد عليهم جبلي قائلا : چی من و بەرێت کەچێت خەلکێ يە بدنا من پاریەک نان و فنجانەکا قەهوێ یە ئەزێ گەهمە هەڤالێت خوەیێت دەربێ یا.

وعندما وجد وسمع الراعي ما دار بينهم من حديث ضرب بقدمه القدر الذي كان يحلب فيه الحليب وقال لهن منذ سبعة اعوام وانا ارعى قطيع والدكم ولم تقبل احدا منكن بي زوجا لكن عشقتم شخصا غريبا منذ النظرة الأولى حيث تهرب منهم جبلي وذهب وسأل احد الغلمان عن بيت درويش آغا و أبلغه الغلام بأن درويش اغا ذهب الى نزهة مع اصدقائه ولن يعود اليوم لكن بيت الشعر الكبير و الواقع على تل مرتفع في الشرق هو بيته . ذهب جبلي وعندما اقترب وجد أن البيت مهمل فعرف بأن بنفش خاتون تتعمد في إهماله وعندما وصل لم يجد احدا فجلس في مجلس الرجال وسمع صوت امراة تهدهد طفلا و تغني بنبرة صوت حزينة ويسمع صوت مهد فيه طفل صغير وهي تقول له:

(لۆری سۆهرک و خوریکا بریۆ لۆری ب ژانا زارۆکا چوویۆ لۆری خودێ کریۆ باب ژ مسەییرا نەهاتی لۆری ئەزێ لۆریکێ خوە لۆرینم ئەزێ جەبەلیکێ خوە لۆرینم کۆچەرێ فارس ئاغا و دەرۆێش ئاغا ب کچک و مەزنا ڤە لسەر سەرێ جەبەلیکێ خوە گەرینم ) وحينها أدرك جبلي بأن بنفش قد انجبت ولداً و تناديه باسم جبلي عندما يكون زوجها غائبا . فتكلم مع بنفش خاتون وعندما عرف بانه جبلي فرحت كثيرا و اتفقوا على خطة للهرب شهدت أحداث ومغامرات لا مجال لذكرها هنا لكن تكللت الخطة بالنجاح وهربت بنفش مع جبلي وتزوجوا عندما وصلوا الى امارة هكاري.  نشرت القصة كاملة في كتابي (قەفتەکا نێرکزا ژ باغچێ رەنگینێ سترانا چیایێ شنگالێ ) باللهجة الكرمانجية كما يسردها و يغنيها المغنين الفلكلوريين في جبل شنگال يمكن للقارێ الكريم الاطلاع عليها ”کما انها تسرد وتغني باساليب اخرى في شمال كوردستان ويطلقون اسم جمبلي واحيانا جبلي على أمير هكار لذلك فإن القصة بأسلوبها الشنكالي اقرب الى الحقيقة والواقع وأكثر كمالا وجمالا الا ان طريقة سردها يختلف من مغني إلى آخر في جبل شنكال ايضا.

و غنى  لهذه الملحمة بصوت المغني الشنگالي الراحل قاسمێ مەیرۆ (بابێ حەمۆ)

 

المدقة : أداء مصنوعة من جذوع الأشجار لها يد خشبية كانت تستعمل في دق الحبوب التي كانت تضع في الجرن وهو حجر منقور مجوف وكانت تقوم النساء بسحق الحبوب بضربها بالمدقة الخشبية .

الظرف او العكة : وهي تشبه الشكوة والقربة المصنوعات من جلد الماعز كان يحفظ فيه السمن الحر قديما.

><