خلف حجي حمد
ماردين تلك المدينة الجميلة و الجاثمة على جبال ماردين الباسقة حيث تطل في مشهد مثير على سهول ميزوبوتاميا القديمة حيث و يرى المرء من هناك جبل شنگال الشامخ وهو يعانق الأفق بشوق عظيم . تلك المدينة الرائعة ذي الازقة الحجرية والبيوت المنحوتة داخل الصخور المدينة التي تخبرك حاراتها القديمة قصص شيقة وممتعة تعود تاريخها الى الألف الأول قبل الميلاد .
المدينة التي كانت واحدة من أقاليم سوريا الشمالية حتى ضمت إلى تركيا بموجب اتفاقية لوزان عام ١٩٢٣ م. في تلك المدينة الساحرة كان يعيش شقيقين كانوا من اعيان المدينة وهم گارۆ و زیدان ،حيث كان لگارۆ ثلاث فتيات فاتنات ذوات بشرة ذهبية وهن (عدلخان ،نور، وکول ) ولم يكن له أبناء ،أما شقيقه زيدان فكان له ابن وحيد اسمه احمد وكان الأخير قد استدعي إلى الخدمة العسكرية في الجيش العثماني . وفي مكان ليس بالبعيد من ماردين كان تمثلك عائلة گارو غابة جميلة تتدفق منها ثلاث ينابيع ماء عذبة وذات يوم قامت الشقيقات الثلاث بزيارة الينبوع الاوسط في الغابة والذي كان يسمى نبع (خورسیێ) وبينما كانوا جالسين تحت شجرة وارفة الظلال يستمتعون بمشاهدة جمال الطبيعة حيث صوت خرير الماء وحفيف أوراق الأشجار وزقزقة العصافير جاء ثلاث جنود عثمانيين لسقي احصنتهم على النبع و كانوا ضمن قافلة عسكرية من جنود (السفر بلك ) كانت قادمة من الغرب حيث بلاد الشام ومتجهة الى بلاد الأناضول و التي هي تشمل اغلب اراضي جمهورية تركيا الحالية .
وعندما شاهد الجنود جمال الحسناوات الثلاث على النبع اعتدوا عليهم بالضرب وحاولوا اغتصابهن عنوة وفي تلك الاثناء جاء ابن عمهم احمد زيدان في إجازة قصيرة الى بيته وبدأ يسأل عن بنات عمه وأخبروه بأنهم في زيارة إلى النبع حيث ذهب مسرعا وعند وصل هناك وجدهم في حالة يرثى لها حيث سردوا له قصتهم مع الجنود فاشتد غضبه واحتدم و امتطى احمد صهوة جواده والتحق بالجنود وقام بقطع رؤوسهم ووضعها في خرج حصانه ورمى بهم أمام بنات عمه اللواتي شعروا بالسعادة والفخر بما اقدم عليه ابن عمهم حيث نال الجنود قصاصهم العادل جزاء لما فعلوه ، لكن فعلته لم تمر مرور الكرام حيث شاهد بعضا من الجند زملائهم القتلى و استفسروا عن ملكية الغابة فهنالك من الجواسيس من أخبرهم بأن ملكيتها تعود لعائلة گارۆ وان احمد زيدان هو من قام بقتلهم انتقاما لما فعلوه مع بنات عمه.
ومع حلول الفجر حاصر اربعة الف من الجند ماردين من الجهات الأربعة وألقوا القبض على احمد زيدان حيث كبلوه بالقيود وألقوا به في أحد سجون مدينة اسطنبول بعد أن حكم عليه بالإعدام لكن بنات عمه لم يسكتوا على ذاك الحكم الجائر بحقه وقاموا بالتوجه الى اسطنبول حيث قابلوا السلطان وشرحوا له كل ماحدث معهم وكيف أن جنود عثمانيين كانوا قادمين من بلاد الشام قاموا بضربهم وحاولوا اغتصابهن.
وبعد أن استمع السلطان إلى القصة كاملة قال ”كما يدين المرء يجب أن يدان فقدو نال الجنود جزاءهم العادل وبذلك قد عفا عن ابن عمهم كما واكرمه لشجاعته وعدم سكوته على الظلم بإعفائه من الخدمة العسكرية ورجع بصحبتهم الى ماردين“.
١-زەری : کلمة كورمانجية تعني الفتاة ذات البشرة الذهبية.
٢- (سفربلك ) بالتركية وتعني: النفير العام والتأهب للحرب ، وهو فرمان أصدره السلطان العثماني محمد رشاد بتاريخ الثالث من آب/أغسطس 1914م، حيث اعتبر كل شخص من مواليد ما بين (1869 ـ 1882) في أراضي الدولة العثمانية من المسلمين وغير المسلمين، مطلوباً للخدمة العسكرية، ويجب عليهم الالتحاق بشعب تجنيدهم من تلقاء أنفسهم دون انتظارهم التبليغات. ويحق للمواطنين العثمانيين غير المسلمين دفع (30 ليرة ذهبية) بدلاً، مقابل الإعفاء من الخدمة العسكرية.
٣- القصة سردها الفنان الفلكلوري الشنكالي القدير اومر خلف السموقي في مقابلة أجراها معه الصديق عابد سمير .
٤ -زيارتي الى مدينة ماردين في صيف العام ٢٠١٢ م .
٥-الاغنية بصوت الفنان المبدع خلو شنكالي.