خلف حجي حمد
في مضارب قبيلة هوسكا وفي يوم جميل من أيام أواخر الربيع حيث كانت الشمس ترسل خيوط أشعتها الذهبية نحو الأرض وتهب نسمات هواء دافئة من الغرب لتحرك سنابل القمح التي جمعت في البيادر والتي كان يحاذيها أرض مستوية اتخذ منها ميدانا للعب لعبة (الهۆلێ) حيث كان يحمل كل شاب في يده بعد أن انقسموا الى فريقين مضربا طوله حوالي نصف قامة له مقبض في الأعلى ومعكوف من الاسفل يسمێ (کاشۆ) ويركضون وراء كرة (الهۆل ،گوگ) والتي هي بحجم بيضة الاوز و المصنوعة من الصوف او الخشب ويحاول كل فريق وضع الكرة في مرمى الفريق الثاني .
الأمير محمد كان ابن رئيس قبيلة هوسكا كان شابا وسيما يحمل جمالا يفوق جمال كل شبان عصره حيث انضم الى الشبان في اللعب وذات مرة ضرب الأمير كرة (الهۆل) بكل قوته بالمضرب (كاشۆ) وجاءت الكرة في خاصرة أحد الشبان الذي كان وحيد أمه العجوز والتي كانت تخاف عليه كثيرا فسقط ابنها واغمى عليه من شدة ألم فقالت العجوزة للأمير ماذا تفعل بين الصبية فمن لا يعرفك سوف يقول أنك تزوجت فاطما صالح اغا .
حيث شعر الامير بالخجل حيث رمى المضرب ورجع الى البيت وبعد أدلى الليل سدوله وساد الظلام تسلل الى خيمة المراة العجوز وقال لها إذ لم تخبرني بمكان إقامة فاطما صالح اغا سوف انحر عنقك بخنجري هذا. فخافت العجوز وقالت : خيمة صالح اغا تقع في سهل رواندوز وعلى جانب احد الانهر ويحيط بالخيمة ١٥٠٠ خيمة من خيام الفقراء والمعدمين أمثالنا يهتم بهم ويرعاهم .
ترك الأمير محمد العجوز في حال سبيلها ورجع الى الخيمة ولم يتمكن من النوم طوال الليل وعندما أشرقت الشمس بعد أن طردت الظلام لتعلن عن ميلاد صباح جديد قرر أن يرحل بعيدا حيث سهل رواندوز ليتعرف على (فاطما صالح اغا) لكنه أحسَ بأن مراده لن يتحقق ويستحيل رؤيتها إذا ما ذهب هناك بصفته ابن رئيس قبيلة هوسكا لذلك قرر ان يضع كبريائه جانبا ويرتدي ملابس الرعاة ويقصد سهل رواندوز وبعد رحلة استغرقت ثلاثة أيام بلياليها وصل ليلا الى اطراف قبيلة صالح اغا فوجد خيمة كبيرة يسمع منها صوت النجر النحاسي الذي يدق فيه القهوة ويذوي ذاك الصوت الرنان بإيقاعات مختلفة وجميلة واعمدة دخان الحطب تتصاعد من الموقد النار ليتحول الى قطع جمر ملتهبة ويمكن رؤية لونها الأحمر من بعيد .
توجه نحو الخيمة لكنه أدرك في اللحظة الاخيرة بأنه قد لا ينتبه احدا لوجوده هناك وقد لا يجد مكانا يجلس فيه اذا ما ذهب الى المجلس وحيدا لذلك اختار خيمة أخرى من خيم قبيلة صالح اغا ليحل عليهم ضيفاً تلك الليلة . وليس بمكان بعيد عن خيمة الأغا وجد خيمة صغيرة فقرر الذهاب إليها حيث كان فيها رجل مع زوجته لم يمضي على زواجهما إلا بضعة أيام وبعد ما قدموا له واجب الضيافة قال الأمير محمد لماذا لا نذهب الى المجلس فانا ابحث عن عمل وقد يحتاج أحد من الجالسين هناك الى خادم أو راعي .
حيث وصلوا الى المجلس المكتظ بابناء القبيلة الجالسين على طول الخيمة واصواتهم تأتي من كل حدب وصوب ولم يمر الكثير من الوقت حتى قال أحد رعاة صالح اغا بأنه لم يجد عائلته من أشهر لذلك سوف يترك رعي قطيع ليلتحق بعائلته . فقال صالح اغا ومن اين سوف اجد راعيا كان عليك ان تقول بانك سوف تترك رعي القطيع منذ أيام لاجد بديلا عنك قبل ان ترحل. الا ان الشخص الذي حل الأمير محمد ضيفا عليه تكلم وقال ان ضيفي هذا يبحث عن عمل .
فقال له صالح اغا وهل يجيد ضيفك رعي الاغنام؟ قال الأمير نعم اعرف. وأصبح الامير محمد راعيا عند صالح آغا ونام بين الغنم ليلته الاولى والتي كانت طويلة جدا لأنه لم يعتد على تلك الحياة، وفي اليوم التالي ذهبت جارية (فاطمێ) الى المراعي لحلب الغنم وأخذ طعام الراعي لكنه أعجب بالامير محمد و بوسامته ولثلاثة ايام كانت تنظر الى الراعي وتحلب الأغنام فكانت قطرات الحليب تذهب خارج الاناء حتى كانت تغرق ثوبها في الحليب ولا تاخذ معها قطرة واحدة الى البيت.
وعندما سألها فاطمێ عن السبب قال بأن راعي والدها الجديد قد سرق قلبها لشدة جماله ولشدة النظر والتعلق به لذلك كانت تسكب الحليب . فقالت فاطمێ بأن آخر مرة ذهبت الى المراعي كان عمرها ست سنوات والان اصبح عمرها واحد وعشرون عاما وانها سوف تذهب وإذا لم تجد الراعي بذاك الجمال سوف يعاقبها عقابا شديدا . وعندما ذهبت فاطما صالح اغا وشاهدت الأمير محمد أعجب به وأحبته من النظرة الأولى .