خدر خلات بحزاني
لم اكن ولن اكون يوما ناقدا ادبياً، بل انني ازعم واعتبر نفسي قارئاً اعلى بدرجة بسيطة من مستوى القارئ الهاوي..
قبل فترة ليست بالوجيزة وصلتني نسخة من رواية ”تحت سماء داعش“، للمبدع صلاح رفو، لكن ضيق الوقت (العذر الخالد) منعني من تصفحها، لكن عندما سنحت لي الفرصة لتصفح الكتاب، بدات بالغلاف الاخير كعادتي لجس نبض محتوى الكتاب.
وجذبتني تلك الكلمات المبسطة بمعانيها، والعميقة بمقاصدها، ففتحت الصفحة الاولى ومضيت اقرا بدون توقف، واصابني سعار القراءة، كالايام الخوالي، حيث لم اقرا اية رواية منذ عقد من السنين ان لم يكن اكثر، وكنت اسعى لمعرفة ما سيصيب شخوص الرواية، والى اين سيقودني رفو بكلماته ذات النغمات الشعرية الجميلة رغم حزن وقنوط ابطال روايته.
الرواية الصادرة عن بيت الكاتب السومري، تقع في 157 صفحة من القطع المتوسط، واول ما تقلب الغلاف تواجهك ورقة سوداء، وعندما تنهي الكتاب تجد ورقة سوداء قبل الغلاف الاخير، وهذه حركة مقصودة تضيف وجعا فوق اوجاع شخوص الرواية والقراء ايضا.
خديدا، ذلك الشاب السنجاري السيء الحظ، تقوده عاطفته للعودة من المانيا الى سنجار قبيل الغزو الداعشي، حيث ان ابيه يعاني مرضا عضالا ولابد لخديدا ان يحضر ويلقاه قبل ان توافيه المنية، وبالرغم من تحذيرات ”اميلا“ صديقة خديدا، الا ان الاخير قرر وعلى الطريقة السنجارية في العناد ان يذهب وليحدث ما يحدث، وهناك يبدا الهجوم الداعشي ويقع خديدا اسيرا لدى داعش.
اكاد اجزم ان رفو قارئ محترف قبل ان يكون كاتبا محترفا، وله اطلاع واسع على شتى صنوف الادب وحتى التاريخ المعاصر والبعيد، وله ملكة شعرية يحسد عليها، وبالاضافة للوجع الذي ضرب اعماق نفسيته، فان جزء قوي من عقله رفض الاستسلام ونهض للمقاومة بعد السقوط المدوي، وافرغ كل قوته باطلاقات ادبية لفظوية رشق بها سماء داعش، واعتقد انه نجح في ترك خطوط دخانية في تلك السماء الظالمة والمظلمة وتلك الخطوط تقول للعالم اجمع ”تعالوا وانظروا وحشية الانسان ضد اخيه الانسان“.
ان نجاح رفو في توظيف كل ما ذكرته اعلاه، وتحشيد اسلحته المتاحة، ساهم في جعل من يدخل “تحت سماء داعش ـ الرواية، ان لا يخرج منها الا قبل ان يقلب اخر صفحة فيها، رغم كل القهر والحسرات التي تعتري من يقرا تلك الكلمات بعمق ويتمعن في التفاصيل السوداوية الموجعة.
كثرة الشخوص ذات العمر القصير في الرواية، من المان او ايطاليين او سنجاريين وتلعفريين وغيرهم كان حلا بارعا من قبل رفو، فمن خلال ذلك نجح في رسم صورة واضحة للمشهد العام لروايته و دوّن فيها اكبر قدر ممكن من القصص الماساوية التي حصلت اثناء الغزو الداعشي لسنجار.
الفخ غير المرئي الذي نصبه رفو للقراء، هو العلاقة بين اميلا وخديدا اثناء وجوده بالمانيا، حيث اميلا قادمة من يوغسلافيا السابقة ومن منطقة البوسنة والهرسك، حيث ارتكب الصرب مجزرة بشعة بحق المسلمين هناك تسمى مجزرة سربنيتسا التي وقعت في منتصف عام 1995، ونكتشف ان اميلا امراة مسلمة ناجية من تلك المجزرة، بينما خديدا الايزيدي السنجاري (وهو لم يكشف ديانته لاميلا طوال الرواية)، يقع واهله ومجتمعه ضحية تنظيم داعش ، هذا الفخ العبقري يكشف تفاهة الانسان المتوحش والراغب في الانتقام والفتك باخيه الانسان لاسباب دينية او قومية او عرقية وغيرها من الاسباب الرخيصة التي تستبيح حيوات الاخرين بدون مسوغ يستحق ذلك.
يصعب على القارئ العادي من غير الايزيديين او من غير المهتمين بماساة الابادة الجماعية للايزيديين في اب 2014 ان يميز بين واقعية وخيال القصص المجتزاة والثانوية التي اوردها رفو في سياق روايته، ورايي الشخصي حول ذلك اقول ان 90% منها حقيقية، بحكم اطلاعي وقربي مما حصل، كما ان سعي الكاتب لتوثيق جريمة الابادة الجماعية، في ثنايا روايته نجح فيه بدرجة مقبولة.
لا اريد افساد الرواية على من لم يقراها بعد، لكنني انصح بقراءتها لانها تستحق ذلك، بل اقول انها من النوع الذي يستحق القراءة اكثر من مرة اسوة بروايات عالمية شهيرة، كما انها تستحق تحويلها لفيلم سينمائي.
ما لم يعجبني في الرواية، هي امور بسيطة، الاول، عنوان الرواية، لان البعض قد يقول انه مشابه لمجموعة قصصية شهيرة للكاتب الاميركي جاك لندن التي حملت عنوان ”تحت سماء الجليد“ وكنت اتمنى ان يفكر رفو مرتين قبل ان يطلق هذا الاسم على وليدته الحزينة.
ثانيا، شعرتُ ـ وربما اكون مخطئا ـ ان رفو كان مستعجلا في انجاز العمل، وكان يمكنه الابطاء الاكثر، ومنح فرصة اكبر للاحداث بدون القفز حولها، لان هنالك الكثير مما كان يستحق اضافته لها.
اخيرا اقول ان مظلة صلاح رفو الابداعية نجحت في عبوره بسلام تحت سماء داعش، و نجا منها برواية ستبقى شاهدا على هول الجريمة.